كتبه/ أحمد عبد السلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
نبدأ بإذن الله تعالى في سلسلة مقالات بعنوان (مع كتاب) فيه تعريف بكتاب من كتب أهل العلم التي يحتاجها طلاب العلم نعرض فيه لموضوع الكتاب، وفوائده، وأهم ما تعرض فيه مؤلفه من مباحث ومسائل، ونبدأ بكتاب (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) لفضيلة العلامة "محمد ناصر الدين الألباني" رحمه الله رحمة واسعة.
الكتاب يتكون من سبعة فصول:
الفصل الأول: أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد.
الفصل الثاني: معنى اتخاذ القبور مساجد.
الفصل الثالث: اتخاذ القبور مساجد من الكبائر.
الفصل الرابع: شبهات وأجوبتها.
الفصل الخامس: الحكمة من تحريم المسجد على القبر.
الفصل السادس: كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور.
الفصل السابع: الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي.
أما الفصل الأول : أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد:
ذكر فيه الشيخ محمد أكثر من عشرة أحاديث في النهى والتحذير من اتخاذ القبور مساجد منها:
1- عن عائشة وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما حضرته الوفاة جعل يلقى على وجهه طرف خميصة له فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) تقول عائشة: "يحذر مثل الذي صنعوا".(رواه البخاري ومسلم)، قال الحافظ وكأنه علم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من بعض، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم.
2- عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (لما كان مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم - تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: مارية، فذكرت محاسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم - رأسه فقال: "أولئك إذا كان الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله) (رواه البخاري ومسلم).
قال الحافظ ابن رجب : "هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم فيها، كما يفعل النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده".
3- عن جندب ابن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبى ـ صلى الله عليه وسلم – يقول قبل أن يموت بخمس: (.....ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) (رواه مسلم).
وهذه الأحاديث كانت قبل وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقليل أو عند وفاته حتى لا يدعى أحد نسخها، وفيها أيضاً بيان العلة من التحريم وهو الغلو في الأنبياء والصالحين، وإلا فلماذا لا يبنون على قبور الفاسقين والمارقين المساجد !؟
الفصل الثاني: معنى اتخاذ القبور مساجد:
ذكر الشيخ أنه له ثلاث معان:-
1- الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها.
2- السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.
3- بناء المساجد عليها، وقصد الصلاة فيها.
قال ابن حجر في (الزواجر): "واتخاذ القبر مسجداً معناه الصلاة عليه، إليه".
وجاء فى ذلك أحاديث: عن أبى سعيد الخدري ـ رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها). (رواه أبو يعلى وإسناده صحيح).
وقوله - صلى الله عليه وسلم – (لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر) (رواه الطبراني وصححه الألباني).
وعن أنس ـ رضى الله عنه - أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم – (نهى عن الصلاة إلى القبور).
قال الألبانى: "وجملة القول أن الاتخاذ في الأحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلاثة، فهو من جوامع كلمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد قال بذلك الإمام الشافعي ـ رحمه الله - في كتابه الأم ونصه: "وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى أو يصلى عليه وهو غير مسوى ـ يعنى أنه ظاهر معروف ـ أو يصلى إليه قال: وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - قال: (قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال: وأكره هذه للسنة والآثار وأنه كره ـ والله تعالى أعلم ـ أن يعظم أحد من المسلمين، يعنى يتخذ قبره مسجداً، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على ما يأتي بعده.
الفصل الثالث: اتخاذ القبور مساجد من الكبائر:
يقول: إن كل من يتأمل في تلك الأحاديث الكريمة يظهر له بصورة لا شك فيها أن الاتخاذ المذكور حرام، بل كبيرة من الكبائر، لأن اللعن الوارد فيها، ووصف المخالفين بأنهم شرار الخلق عند الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يمكن أن يكون في حق من يرتكب ما ليس بكبيرة كما لا يخفى.
ثم ذكر مذاهب العلماء في ذلك:
1- مذهب الشافعي أنه كبيرة.
2- مذهب الحنيفية الكراهة التحريمية.
3- مذهب المالكية التحريم.
4- مذهب الحنابلة التحريم.
ونقل الشيخ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
الفصل الرابع: شبهات وأجوبتها:
ذكر ستة شبهات والجواب عليها:
1- استدلال المجوزين بقول الله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) (الكهف: 21)، قالوا ذكره الله ولم ينكره على قائلين (لنتخذن عليهم مسجداً) والجواب من وجهين باختصار :
الأول: أن هذا فى شرع من قبلنا وقد أتى شرعنا بخلافه، كما سجد إخوة يوسف ليوسف وجاء شرعنا بخلافه.
الثاني: أن الآية ليس فيها مدح لأولئك الناس أو مدح لفعلهم بل الأيسر فيها أنهم أهل القهر والغلبة واتباع الهوى.
ثم إنه لا يكتفى بالاستدلال بالقرآن فقط على الأمور الشرعية بل لابد من السنة التي تبين القرآن وتفسره وقد ذكرنا من الأحاديث ما فيه الكفاية.
2- شبهة أخرى، بناء أبى جندل ـ رضي الله عنه ـ مسجداً على قبر أبى بصير ـ رضي الله عنه ـ في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم - قال الألباني: "شبهه لا تساوى حكايتها، ولولا أن بعض أهل الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة لما سمحت لنفسي بحكايتها" اهـ.
وخلاصة القول أنها قصة منكرة ليس لها سند تقوم الحجة به ولم يروها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد.
فالعجب من أهل البدع ينصرون بدعهم بالضعيف والواهي والمنقطع، ويتركون الأحاديث الصحيحة الصريحة.
3- وشبهة أن مسجد الضيف فيه قبر سبعين نبياً، وقد صلى فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والجواب أنه لم يثبت أن فيه القبور المزعومة.
4- في بعض الكتب أن قبر إسماعيل ـ عليه السلام ـ في المسجد الحرام، والجواب عن هذه الشبهة أن ذلك أيضاً غير ثابت.
5- شبهة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبره في مسجده الشريف والجواب عن ذلك:
أولاً: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - دُفن في حجرة عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
ثانياً: الذي أدخل القبر في المسجد ليس صحابياً ولا معصوماً، بل تم ذلك في عهد الوليد بن عبد الملك، فلا تعارض الأحاديث الصحيحة الصريحة بفعل آحاد الناس مع العلم أن مسجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ له خصوصية كما أن قبره كذلك فلا يجوز نقل واحد منهما.
الفصل الخامس : الحكمة من تحريم المسجد على القبر:
بيَّن فيه أن الحكمة من هذا التحريم هي سد ذرائع الشرك عن طريق الغلو في الصالحين، روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في تفسير سورة نوح عن قوله تعالى: (وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (نوح: 23). قال إن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبدت.
وهذا هو المشاهد في المساجد التي بنيت على قبور الصالحين ومن يعرف اليهود يجد مظاهر الغلو والشرك ظاهرة عندهم من طلب المدد والغوث والشفاء والتوسل الشركي بهم، والله المستعان.
الفصل السادس: كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور:
قال الألباني ـ رحمه الله ـ: إن النهى عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهى عن الصلاة فيها من باب أن النهى عن الوسيلة يستلزم النهى عن الغاية بالأولى والأحرى، فينتج من ذلك أن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها، والنهى في مثل هذا الموضع يقتضى البطلان كما هو معروف عند العلماء وقد قال ببطلان الصلاة فيها الإمام أحمد. ولكن نرى أن المسألة تحتاج إلى تفصيل، ثم قال: للمصلى فيها حالتان:
الأول: أن يقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها، كما يفعله كثير من العامة وغير قليل من الخاصة فلا شك في تحريم الصلاة فيها بل في بطلانها.
الثاني: أن يصلى فيها اتفاقاً لا قصداً للقبر، قال: فلا يتبين لي الحكم ببطلان الصلاة فيها وإنما الكراهة فقط ـ وظاهر كلامه أنه يقصد الكراهة التحريمية ـ قال: والموضوع يحتاج إلى مزيد من التحقيق.
تنبيه:
قال الألباني: "واعلم أن كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مضطربة في كل حال سواء كان القبر أمامه أو خلفه، يمينه أو يساره، فالصلاة فيها مكروهة على كل حال، ولكن الكراهة تشتد إذا كانت الصلاة إلى القبر لأن في هذه الحالة ارتكب المصلى مخالفتين، الأولى في الصلاة في هذه المساجد، والأخرى الصلاة إلى القبر وهى منهي عنها مطلقاً سواء كان في المسجد أو غير المسجد كما تقدم".
الفصل السابع: الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي:
فلا يستثنى من ذلك أي مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف، لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيء من المساجد المبنية على القبور وذلك لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام فإنه أفضل) (أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد له الزيادة الأخيرة). ولقوله (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) (رواه البخاري ومسلم).
هذا آخر ما أردنا عرضه من الكتاب الممتع الذي يمثل غصة في حلوق المبتدعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين