كتبه/ أحمد حمدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيستقبل المسلمون في بقاع الأرض عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليُمن، والأمن والأمان والبركات.
ويأتي هذا اليوم العظيم مِن أيام الله عقب شهر رمضان المبارك، وما فيه مِن الفضائل مِن: صيامٍ، وقيامٍ، وصدقةٍ، ودعاءٍ، واعتكاف، وعمرة، وقراءة قرآن، وذكر لله -عز وجل-؛ فيفرح المسلمون بتوفيق الله لهم على القيام بطاعته، فالنفوس تنشرح والقلوب تطمئن بذكر الله.
والفرح لا يكون فرح البطر والعجب المحبط للعمل أو يكون فيه منة على الله، قال -تعالى-: (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ) (الحجرات:17).
فيا ليت شعري... مَن المقبول فنهنيه، ومَن المحروم فنعزيه! قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة ما تمنيت البقاء في دنياكم!"، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ((المائدة:27)،
وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:60)، فقالت عائشة -رضي الله عنها :-أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ !وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- عقب الصلاة وبعد قيام الليل في وقت السحر، وبعد يوم عرفة يكثر مِن الاستغفار انكسارًا وافتقارًا إلى الله، ومما شاب العمل مِن قلة خشوع أو عدم حضور قلب أو عجب أو رياء، فنسأل الله أن يتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال .
ورسالة إلى إخواني المسلمين في بقاع الأرض: رب رمضان هو رب شوال، وهو رب سائر الشهور، فمَن كان يعبد رمضان فإنه قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت؛ فلا تعودوا القهقرى بعد رمضان، قال -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل:92)، فلا تهجروا المساجد والصلاة وصلاة الفجر والقران والقيام بعد رمضان! قال شداد بن أوس: "إذا رأيتَ الرجل يعمل بطاعة الله؛ فاعلم أن لها عنده أخوات"، فالثبات الثبات على الطاعة بعد رمضان، قال تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)، وقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (الأنعام:153)، وقال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:6)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسفيان بن عبد الله الثقفي: (قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم) (رواه مسلم).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "الاستقامة أعظم كرامة".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) (رواه مسلم)، وقال في شأن القيام: (شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ) (رواه الحاكم، وحسنه الألباني)، وقال: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فشكر نعمة الله على رمضان بالعمل، قال -تعالى-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) (سبأ:13)، فمِن عوامل الثبات على الطاعة الدعاء، فمِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8)، وكذلك الصحبة الصالحة، وكثرة ذكر الله، وذكر الموت والقراءة في قصص الأنبياء، وتراجم الصالحين، وحضور دروس العلم، وكثرة تلاوة القرآن، والدعوة إلى الله .
فالحذر الحذر أن يكون يوم العيد يوم معاصٍ وذنوب، واختلاط محرم أو تبرج للنساء، أو سماع للأغاني والموسيقى بعد البكاء في الأسحار، أو شرب الدخان والمخدرات، أو ارتكاب الفواحش والمحرمات وما يغضب الله؛ "فليس العيد لمَن لبس الجديد، ولكن العيد لمَن طاعته تزيد"، و"كل يوم لا تعصي الله فيه؛ فهو عيد".
قال سفيان الثوري: "أول ما نبدأ به يوم العيد أن نغض أبصارنا".
فالعيد الحقيقي يوم أن يغفر الله لنا ويرضى عنا، ويعتق رقابنا مِن النار، وأن نرافق النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وأن يعود لنا قدسنا ومسجدنا الأقصى، ويوم أن نحكم بشرع الله، ويعود للمسلمين عزهم ومجدهم، ويعودوا إلى ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك النصيحة لشباب الأمة: نحن على أعتاب فصل الصيف؛ فلابد أن تغتنموا الفراغ والوقت والإجازة في حفظ كتاب الله ومدارسته، والعلم الشرعي، والقراءة، والرياضة النافعة، والرحلات والترفية المباح، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري)، وقال: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
وقال أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة مفـسـدة للمـرء أي مـفسدة
وليحذروا في الصيف مِن السهر المضيع لصلاة الفجر، أو كشف العورات أو الاختلاط المحرم على الشواطئ.
ولا ننسى في هذا اليوم المبارك -في ظل فرحتنا- آلام المسلمين في بقاع الأرض، والدعاء لهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه).
فمَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ودعاء المسلم لأخيه المسلم بظاهر الغيب مستجاب؛ فلا ننسى إخواننا في غزة والقدس وفلسطين، وسوريا، وبورما، واليمن، والعراق، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، وكشمير، بأن يفرِّج الله كربهم.
وأن نشكر نعمة الله على الأمان والعافية في بلادنا مصر، وأن يحفظ على الأمة الإسلامية تماسكها ووحدتها، ويحفظها مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يرد الله كيد اليهود وأعداء الأمة مِن الكفار والمنافقين في نحورهم.
وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم سائر الأعمال.