كتبه/ علاء عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد وجدوا أن كلمة "شاذ" أو "لوطي" أو "منحرف" أو نحوها، تصف حقيقة ما هم عليه مِن فحشٍ وخلل، وبه ينالون ما يستحقون مِن نفور الأسوياء واشمئزازهم؛ فما كان منهم إلا أن تفتقتْ أذهانهم الشيطانية عن استخدام مصطلحاتٍ أخرى خالية مِن الاتهام بالانحراف، ولا تورثهم هذا الإحساس بالخزي والمهانة، فاخترعوا لفظة: "مثلي" بدلًا مِن "شاذ!"، وصنعوا لأنفسهم شعارًا ذا ألوانٍ متعددةٍ ومبهجة، تمثـِّل ألوان الطيف السبعة؛ تعبيرًا عن تعدد الميول، وتنوع الأمزجة في هذا الباب -زعموا!-.
وهكذا تم غسيل أدمغة شعوب بأكملها، وتم حل الإشكال المجتمعي لديهم -لا سيما في الغرب- حيث يتم الترويج لدعوتهم المقززة على أنها رمز للحرية والتقدم، وتسامح المجتمعات وتحضرها -وكأن الحضارة مرتبطة بالممارسات الجنسية المشينة-، بل وأصبحتْ هذه المجتمعات لا يستطيع سياسي فيها أن يقدِّم نفسه للجمهور إلا عبْر تعاطفه أو دعمه المطلق لما يسمونه: "حقوق المثليين!".
وهكذا تكون للكلمة واللفظة تأثير كبير على البشر، حتى إن شعوبًا بأكملها قد تُخدع بكلمةٍ تحسّن القبيح أو تنفِّر مِن الحَسَن! كلمة واحدة تحبب الناس في الحق وتجليه لهم، وأخرى تصد عن سبيل الله، وتشوش عليهم مفاهيمهم؛ لذا صار الإعلام في العصر الحديث مِن أسلحة السلطة، وأحد مرتكزاتها، وصار أغلب الناس ينخدعون بالشعارات ولو كانت مضللـة!
وهذا التضليل جزءٌ ضئيل مِن معركة الوعي التي فُرضتْ علينا فرضًا.
وتأمل حولك تجد الكثير مِن صور هذا التخييل والتضليل؛ فالمتطرف والإرهابي والرجعي عند كثيرٍ مِن أهل السياسة هي التسميات المعتمدة لوصف المسلم -خاصة لو كان يدعو لدينه!-، والمتخلف عندهم هو الذي يدعو للأصول الدينية، بينما التقدمي هو الذي يجعل الدين وراء ظهره!
والانفصالي هو الاسم الذي يُطلق على مَن يحاول تحرير أرضه مِن أيدي المعتدين!
والربا الذي هو حرب لله ورسوله يتجاسر الناس على تسميته فائدة!
والميوعة الدينية صارت هي "الإسلام الوسطي!"، والالتزام هو التشدد، والمرأة المتبرجة "عصرية"، والنقاب تهديد للأمن القومي، والاحتلال الفرنسي الغاشم سموه: "حملة نابليون"؛ إنما "الخلافة العثمانية" كانت احتلالًا عثمانيًّا لأرضنا!
وبالمثل لم يحرِّض "نظام بن علي" ضد الحجاب مثلًا بوصفه: "الحجاب الإسلامي الذي فرضه الله على النساء، وتحاربه العلمانية الدخيلة"، بل كانوا يسمونه: "الزي الطائفي"، وليس حتى مجرد اسم "الحجاب!".
ولن يكتب صاحب الخمارة عليها مثلًا: "نحن نبيع أم الخبائث التي لُعن فيها عشرة"، بل سيكتفي أن يكتب عليها: "Drinks"، يعني "مشروبات!"؛ كأنه يبيع مشروب عصير القصب مثلًا!
وإن أرادوا أن يخلعوا على الخمر صفة راقية سموها: "مشروبات روحية!" -وهي أبعد ما يكون مِن غذاء الروح النافع المفيد-؛ لذلك مما جاء في هذا الإطار إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ, يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
وعلى ذكر "المشروبات الروحية" والروحانيات الكاذبة تجد أن حِلَق ما يسمَّى بالذكر الصوفي يُوصف بأنه روحانيات وإيمانيات عالية، ولكن في الحقيقة كل ما يخالِف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه جزمًا ليس مما يغذي القلب، ولا يرقي الإيمان.
ولو تركنا همومنا العربية، وذهبنا في زيارة تفقدية لأقبية السجون فيما "وراء الشمس" -عافانا الله جميعًا- لوجدتَ الداء نفسه متمثلًا في جلاد يعذِّب المشكوك في أمرهم عذابًا شديدًا، وحتى لا يشعر بأي عاطفةٍ تجاههم يذكِّر نفسه -إن كان بحاجة لذلك- أن ما يجري إنما هو نوع مِن التحقيق مِن أجل "الأمن القومي!"، وربما لا يسميه تعذيبًا حتى يريح ضميره أكثر، فيدعوه باسم: "أساليب الاستجواب المطورة" (Enhanced Interrogation Techniques) كما فعل المحققون الأمريكان!
وكأني بالجلاد يقول للشيطان العبقري الذي اخترع هذا المصطلح المضلل: "لقد أرحتني يا عبقري زمانك مِن وخز الضمير!".
وفي ظل موجات القصف الإعلامي ومليارات الدولارات التي تُنفق سنويًّا لتمرير الباطل مباشرة إلى سويداء قلوبنا، وإلى أفكارنا وعقائدنا؛ لن أجد لي ولك أفضل مِن العلم بدين الله عاصمًا مِن الوقوع في هذا التيه، كما أنصحك بعدم الاكتفاء بمجرد الأسماء والشعارات فقد تكون زائفة، وعليك بالحكم على حقيقة الأشياء وجوهرها وليس مسمياتها وزخرفها.
وفي الختام: انتبه لما تسمع وتقرأ ويُعرَض عليك؛ فقد يكون مِن الأباطيل التي تُسمَّى بغير اسمها.