كتبه/ سعيد السواح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإلى كل فتاة مسلمة شهدت لله -تعالى- بالوحدانية، فقالت: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وشهدت لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة فقالت: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
أختاه... ألستِ بمسلمة؟!
إذن فأنتِ لك حق علينا حتى لا تمسكي بتلابيبنا يوم القيامة، وتقولي لله -تعالى-: "يا رب... سل هذا فيما قتلني؟ سل هذا لمَ تركني هكذا؟ لماذا لم يضربني على يدي؟ لماذا جعلني أقتحم النار ولم يحاول إنقاذي؟!".
فإن قلنا لك -يا أختاه-: لمَ هذا الملبس الذي تلبسينه، وتُظهرين مِن خلاله مفاتنك للناس؟!
بل أنتِ -في الحقيقة- الكاسية العارية التي نبأ بشأنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي نشهد له بالرسالة، وأنه مبعوث إلينا ليهدينا إلى صراط ربنا المستقيم!
ألستِ تشهدين له بذلك أم هي ألفاظ أجريتها على لسانك كما أجراها الناس على ألسنتهم دون أن تقفي مع حقوق هذا النبي الكريم التي أوجبها الله -تعالى- علينا؟!
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) (رواه مسلم).
فهل أنتِ مِن أهل هذا الصنف؟ فأنت كاسية، ولكنك عارية، فالأمر لا يحتاج إلى خديعة نفس.
- فهل ترضين أن تكوني وقودًا للنار؟!
- هل تأملين وتتمنين أن تحرمي مِن الجنة؟!
- هل ترضين لنفسك ذلك؟!
لذا؛ فنحن -أيتها المسلمة- نأمرك بما أمرك به ربك؛ خالقك ورازقك الذي تعيشين فوق أرضه وتحت سمائه، فنأمرك بالتستر والحجاب، وإياك ثم إياك والتعري والسفور.
قد تتحجج بعض النساء بحرارة الصيف، يردن بذلك التماس العذر لأنفسهن في ذلك! فنقول: ألم تسمعي قول ربك: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ . فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (التوبة:81-82).
ألم تسمعي مِن قول رسولك -صلى الله عليه وسلم-: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: (فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا) (متفق عليه).
قد تقول بعض النساء: إنها لا تستطيع أن تتحمل هذه الملابس التي تنبعث منها الحرارة على جسدها! فنقول: فما بالك بملبسٍ مِن قطران؟! فما بالك لو قُطع لك ثياب مِن النار؟!
ألا تسمعي لقول ربك: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ) (إبراهيم:49-50)، وإلى قوله -سبحانه-: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ . وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (الحج:19-21).
أختاه... هل تقوي أن تتجرعي كوبًا مِن ماءٍ ساخن -مِن ماء يغلي-؟!
فما بالك لو كان شرابك مِن الحميم -وبماء المهل- وماء صديد، كما وصف لنا ربك شراب أهل النار: (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) (محمد:15).
أختاه... أسمعت النصيحة؟!
فنحن عندما نأمرك بالتستر والحجاب، نأمرك بأمر لو فكرتي فيه؛ لعلمتي أنه سيكون فيه حرماننا كرجالٍ مِن النظر إلى جسدك العاري، ومِن النظر إلى مفاتنك ومحاسنك التي تعلقت بها أنظار الرجال؛ فهذا الأمر في الحقيقة لصالحك وليس لصالحنا، لأنه سيكون نتيجة تسترك عن الأعين، وستر بدنك عن تلصص الناظرين فيه حرمان لنا.
ولكن... لا نرضى لكِ أن تكوني وقودًا للنار، وأنتِ المسلمة التي لا نشك في حبك لربك، وحبك لدينك، وحبك لرسولك -صلى الله عليه وسلم-، أليس كذلك؟! أم نحن قد أخطأنا بذلك الطريق؟!
فتعقلي وتفكري... هل لنا مصلحة في نصيحتك بالتستر والحجاب؟! أم المصلحة لمَن قال لك: تعر، سواء في تحقيق أرباح مِن مشتريات منه لهذه الملابس التي لا تليق بامرأةٍ مسلمة، أو في النظر إلى جسدك بلا غرامة مالية يقوم بدفعها؟!
أختاه... إن الناس إذا أرادوا التنزه، فإن منهم مَن يذهب إلى حديقة الحيوان، ومَن كان راغبًا في النظر إلى هذه الحيوانات فإنه لا يمكن له ذلك إلا بدفع رسوم مالية للدخول، فالنظر للحيوانات مِن كلب البحر أو الحمار الوحشي أو القردة يلزمه رسوم مالية مدفوعة؛ أما النظر إلى جسدك العاري فهذا المشاع بلا رسوم مالية مدفوعة!
أختاه... حاولي أن ترقبي نظر الرجال إليك عندما يتلصصون في النظر إلى جسدك العاري؛ فأي مواطن الجسد يتجهون إليه بسهام أنظارهم، وأنت تعلمين ذلك؟!
أما تستحين وأنتِ تعلمين أن ما حرَّك هؤلاء تجاهك إلا رغبة دنيئة وحقيرة؟!
ماذا قصدت بفعلتك هذه بنفسك؟!
أيحزنك ألا تكونين وقودًا للنار؟!
أيحزنك أن يدخل الشيطان النار ولا تدخلين معه؟!
أيحزنك ألا تكونين مع فرعون وقارون وهامان؟!
- أيحزنك ألا تكونين مع أبي لهب وعقبة بن أبي معيط؟!
ألا يحزنك... أن تفوتك رفقة فيها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!
أن يفوتك النظر إلى وجه ربك الكريم يوم القيامة؟!
ألا تستمعين؟!
هل نحن ندعوك إلى الجنة أم إلى النار؟ هل نحن بذلك ندعوك إلى النجاة أم إلى الهلاك؟
هل نحن بذلك ندعوك إلى سبيل الرشاد أم إلى سبيل الغي والضلال؟
هل نحن بذلك ندعوك إلى الحق أم إلى الباطل؟
هل نحن ندعوك إلى هذا لأجر سوف نحصل عليه منك؟
فوالله... ثم والله... إنا ندعوك إلى النجاة، والى سبيل الرشد.
ولتعلمي... أن هذه الدنيا متاع، وأن الآخرة هي دار القرار.
أختاه نناديك... وندعوك إلى لحظة تأمل وروية.
لماذا لا تحاولين إعطاء نفسك الفرصة في التفكير؟ ولماذا تقاومي برفض الفكرة ابتداءً؟ هل تخشين على نفسك أن تستجيبي للهداية؟!
هل هذا بالأمر المنكر؟ هل تخافين أن يعيرك أصحابك؟!
هل تخافين ألا يرضى عنك الفساق؟! ولا عن ملبسك إن تسترتي وتحجبتى؟!
هل تخافين أن يقولوا أنك متخلفة؟ أم تخافين مِن ماذا؟!
لمَ هذا الحرص منا والخوف عليك؟!
لماذا نحرص على إخراجك مِن هذا؟!
لماذا نحرص على ألا تمس النار بدنك؟!
فكري... ما مصلحتنا في ذلك، فنحن لا نطلب منك أجرًا، ولا نحن سنهتدي إلا بهدايتك، فقد هدانا الله -تعالى-؛ فله الحمد والمنة على ذلك.
أختاه... هل تظنين أننا سوف نسر عندما نرى السلاسل والأغلال في عنقك وفي يديك ورجليك، وأنت تسحبين على وجهك في نار جهنم؟!
هل تظنين أننا سوف نكون في سعادة غامرة عندما تنقلبين في النار وتتوجعي مِن لهيبها؟!
أختاه... نناديك: هيا بنا سويًّا، لقد أوشك الباب أن يُغلق، فلنسرع في الدخول إلى الجنة قبْل أن يحال بيننا وبيْن ما نشتهي! فنكون ممن ينادي: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) (فاطر:37). فيُقال لنا: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) (فاطر:37).
أختاه... نطلب منك تجربة عملية، عاهدي ربك أن تقومي بها: نحن نريد منك أن تغلقي عليك دارك، وأن تكوني فيها بمفردك حتى إذا جنَّ الليل لا تقومي بإنارة المكان، ولكن اتركيه في تلك الظلمة الحالكة، وأغلقي عليك الباب، وحاولي أن تبيتي في هذه الظلمة الحالكة بمفردك، وانظري إلى حالك: هل تتحملين ذلك؟! هل تستطيعين ذلك؟!
فما بالك والقبر؟! حيث لا أنيس، ولا صاحب ولا رفيق؛ فقد انقطع الأصحاب والأحباب، ولم يبقَ معك إلا عملك.
وختامًا... فستذكرين ما أقول لك، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد، قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ . إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ . وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (ص:86-88)، وعند ذلك، لتعلمن لمَن تكون عقبى الدار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.