كتبه/ أحمد حمدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي الساعة الثانية عشرة، مساء يوم الثلاثاء الثامن عشر مِن رمضان قبْل الاعتكاف بيومين اتصل بي أخي الحبيب خالد عامر -رحمه الله- في مكالمة استمرت قرابة 20 دقيقة، نتشاور في اعتكاف شباب دمنهور، واعتكاف شباب الجامعة، وكان راجعًا مِن صلاة التراويح والتهجد، ثم حدث أن سقط مِن على الدراجة النارية الساعة الثانية عشرة والنصف، ودخل في غيبوبة إلى أن توفي يوم الجمعة 20 شوال.
مِن علامات حسن الخاتمة:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ) فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَسَلَهُ)، قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: (يَفْتَحُ اللهُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا) (رواه البخاري)، ومَن عاش على شيء مات عليه، ومَن مات على شيء بعثه الله عليه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ) (رواه مسلم).
وكان آخر شيء الترتيب لشأن الاعتكاف وأمور الدعوة والاهتمام بها، وإن المرء ليبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله، وكذلك صلاة القيام في رمضان، ثم الوفاة يوم الجمعة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ القَبْرِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، ثم دفن في ساعة الإجابة بعد العصر يوم الجمعة قبْل غروب الشمس في جمع غفير مِن مشايخ وشباب الدعوة في مشهدٍ مهيبٍ يصل لعدة آلاف؛ دلالة على المحبة والمكانة في القلوب.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "بيننا وبينهم -أي أهل البدع- يوم الجنائز".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ) (رواه مسلم).
وكذلك نحسبه شهيدًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَصَاحِبُ الْهَدَمِ شَهِيدٌ) (متفق عليه).
قال العلماء: "الذي مات في حادث يُقاس عليه صاحب الهدم".
"خالد عامر" الذي عرفته قبْل الثورة "25 يناير 2011م" بسنواتٍ قليلة، مع أنه كان مدرسًا ترك العمل بالدروس الخصوصية، وترك الدنيا للآخرة، وتفرغ وطلب العلم والدعوة إلى الله، وربَّى عددًا كبيرًا مِن الطلائع والشباب في مدينه دمنهور، ودرّس كتاب "تهذيب مدارج السالكين" ثلاث مرات في تسع سنوات، وكذلك كتاب "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، علاوة على تدريس قضايا المنهج في مجموعات الشباب في قرى دمنهور وكان أفضل واحد في فريق شباب محافظة البحيرة بأكملها مِن حيث الانتظام، وتحمل المسئولية، والهم الدعوي.
كان يجمع بيْن العلم والعمل، والأدب والأخلاق، والإدارة والدعوة؛ لسانه طيب، مؤدب حتى في مواقف الخلاف والنزاع؛ منصف لا يفجر في الخصومة، وكان سببًا لطفرة في عمل جامعة دمنهور؛ شبابًا وفتيات، كان مثالاً للبذل والجد، والتضحية بوقته وجهده لدعوته -نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدًا-.
موته كان مصيبة فادحة للدعوة في مدينة دمنهور، والمحافظة بأكملها.
اللهم أجرنا في مصيبتنا، وأخلف علينا خيرًا منه، وأفرغ الصبر على أهله وأولاده.
ولا ننسَ الوفاء له ولأولاده بعد وفاته، والدعاء له أن يتقبله الله في الشهداء، ويرفعه في الفردوس الأعلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن ينوِّر ويوسِّع قبره، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يغفر له ويعفو عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.