هل يمكن أن يُعذب في القبر مَن رجحت حسناته على سيئاته؟
السؤال:
جاءنا أحد الإخوة بهذا الكلام من أحد المواقع الإسلامية، وهو: "ينبغي أن يُعْلم أن كثرة الحسنات على السيئات ليست بمنجية صاحبَها من عذاب القبر بذاتها؛ لأن الوعيد المترتب على العذاب في البرزخ، ليس هو الوعيد المترتب على العذاب في نار جهنم، وقد يأتي المسلم بسبب واحد من أسباب العذاب في قبره، فيعذَّب عليها، وله أمثال الجبال من الحسنات"، ولأنه: "ليس كل مَن جاء بحسنات تبقى معه حتى يدخل بها الجنة، ولا من جاء بسيئات تبقى معه حتى يدخل بسببها النار، فثمة ما يُسمَّى "المقاصة"، وهو أخذ أصحاب الحقوق من حسنات من ظلمهم، أو إلقاء سيئاتهم عليه، كما في حديث المفلس". وبناءً على ذلك ثارت هذه الأسئلة الهامة:
1- هل هناك ما يدل على عذاب مستقل في البرزخ -أو القبر- على بعض المعاصي مثل عدم الاستنزاه مِن البول، وإن كانت حسنات الإنسان أكثر من سيئاته، ويقولون بأن هذا عذاب خاص يستحقه هذا الإنسان وإن رجحت الحسنات! وهذا خلاف ما كنا ندرسه على يد الشيخ ياسر مِن أن كل مَن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة مباشرة دون عذاب أو عقاب، فنرجو توضيح هذا الأمر.
2- ما حال مَن استوت حسناته وسيئاته بالنسبة لوضعه في البرزخ فهو في الآخرة مِن أهل الأعراف، لكن ما حاله في القبر؟ وهل يمكن أن تستوي حسنات الإنسان مع سيئاته ومع ذلك يعذب في قبره؟ وهل يمكن أن تكون حسنات الإنسان أكثر مِن سيئاته، ومع ذلك يعذب في القبر أم هذا غير وارد أصلاً؟
3- إذا كان الإنسان يمتحن في قبره -البرزخ- فهو إذن إن كان كافرًا أو منافقًا يعرف مصيره الذي ينتظره ولن تفاجئ بأنه مِن أهل النار في الآخرة؛ فكيف الجمع بيْن ذلك وبين أن المنافقين يُمتحنون بالسجود أو يطفئ نورهم ويخدعهم الله في الآخرة، وأن العبد لا يدري هل سيأخذ كتابه بيمينه أم لا؟ يعني المقصود أن النتيجة قد ظهرت بالفعل في البرزخ، أليس كذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- فالقبر أولى منازل الآخرة، ويعذب الإنسان على الذنوب التي لم يتب منها، ولم يُنجه مِن عقوبتها مصائب مكفرة أو حسنات ماحية؛ سواء في القبر أو في الآخرة، وليس مِن دليل على أن الحسنات قد تبلغ الجبال ثم يعذب الإنسان على ذنب واحد "إلا إذا لم تقوَ الحسنات على محوه"؛ فعاد الأمر إلى الموازنة، وهذا هو الصحيح في هذه المسالة.
2- وحال مَن استوت حسناته وسيئاته وأصحاب الأعراف في القبر مسكوت عنه؛ فنسكت عنه.
3- أما بالنسبة للكافر والمنافق الذي يَعرف مصيره منذ دخل قبره، لكن ليس المخبر كالمعاين، ومعاينة أهوال القيامة أمر فوق تصور البشر ويذهل عقولهم، كما قال الله -تعالى-: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:109).