تعليق د."ياسر برهامي" على ما أثير مِن لغطٍ حول تصريحات "شيخ الأزهر" عن "بوذا والبوذية"
السؤال:
ما الموقف مِن كلام "شيخ الأزهر" عن "بوذا" ومدح الديانة البوذية، ووصفها بمكارم الأخلاق والرحمة كما لو كانت أعظم مِن الإسلام نفسه؟! وهل هذا مِن الكفر والشرك أم مِن الضلال كما قد يُفهم مِن كلام بعض المشايخ الذين ردوا على شيخ الأزهر في ذلك، مثل الشيخ الحويني -حفظه الله-؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد وقع ظلمٌ على "شيخ الأزهر" ممن اتهمه بكفر أو ضلال أو فسق، والسبب في ذلك بتر الكلام عن سياقه، وعدم تأمل ما في الكلام مِن ألفاظٍ؛ اكتفاءً بعناوين كاذبة على مواقع التواصل، والحقيقة أن "شيخ الأزهر" والرئيس السوداني الأسبق "سوار الذهب" قد دَعَوَا إلى مؤتمر لإنقاذ "مسلمي بورما"، وحضر فيه "بوذيون بورميون"، وقد ذكر "الشيخ" في كلمته أن البوذية دين إنساني، وهذا لمن يفهم يَعني أنه ليس دينًا سماويًّا، بل دين مِن وضع الإنسان، وهذا لا يعني بحال الاعتراف به، بل العكس، ثم قال إنه درس في "الأزهر" أن المؤرخين ذكروا عن "بوذا" أنه كان رقيقًا ورحيمًا، وأن دين البوذية يقوم على الرحمة، وهذا لا يعد مدحًا واعترافًا بالبوذية.
قال الْمُسْتَوْرِدُ القرشي عند عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ) فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ! قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: "إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ" (رواه مسلم).
فقد قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ذلك عن الروم؛ فهل هو بهذا يَمدح النصرانية؟!
وفي رسالة "ابن تيمية" -رحمه الله- لملك قبرص المعروفة بالرسالة بالقبرصية مِن هذا النوع شيء كثير؛ حيث أثنى شيخ الإسلام -رحمه الله- على ملك قبرص "سرجوان النصراني" في رسالته المشهورة باسم "الرسالة القبرصية" في أكثر مِن موضع، وأثنى على نفرٍ مِن القساوسة الكافرين مِن أصحابه، فمن ذلك: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ أَحْمَد ابْنِ تَيْمِيَّة إلَى سرجوان عَظِيمِ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَمَنْ تَحُوطُ بِهِ عِنَايَتُهُ مِنْ رُؤَسَاءِ الدِّينِ وَعُظَمَاءِ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ وَالأُمَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَأَتْبَاعِهِمْ، سَلامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ إلَهَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُصْطَفِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَيَخُصُّ بِصَلاتِهِ وَسَلامِهِ أُولِي الْعَزْمِ الَّذِينَ هُمْ سَادَةُ الْخَلْقِ وَقَادَةُ الأُمَمِ الَّذِينَ خُصُّوا بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ وَهُمْ: نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٌ...
ثم قال: لَسْت أَقُولُ عَنْ الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْته وَلا إخْوَتِهِ؛ فَإِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ شَاكِرٌ لِلْمَلِكِ وَلأَهْلِ بَيْتِهِ كَثِيرًا مُعْتَرِفًا بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا أَقُولُ عَنْ عُمُومِ الرَّعِيَّةِ... وَأَبُو الْعَبَّاسِ حَامِلُ هَذَا الْكِتَابِ قَدْ بَثَّ مَحَاسِنَ الْمَلِكِ وَإِخْوَتَهُ عِنْدَنَا وَاسْتَعْطَفَ قُلُوبَنَا إلَيْهِ؛ فَلِذَلِكَ كَاتَبْت الْمَلِكَ لَمَّا بَلَغَتْنِي رَغْبَتُهُ فِي الْخَيْرِ وَمَيْلُهُ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ... " (مجموع الفتاوى 28/ 601-628).
ولا بد أن نعلم أن لكل مقام مقال؛ فمقام التفاوض والسعي للصلح مع الكفار لمصلحة المسلمين له مقال غير مقام الدعوة إلى الإسلام وإقامة الحجة عليهم، و"صلح الحديبية" خير شاهد على ذلك.
وأما مَن تكلم مِن المشايخ عن "شيخ الأزهر"؛ فالمشكلة فيمن يَنقل لهم كلامًا مبتورًا يُفهم منه معانٍ باطلة، ويكفي "شيخ الأزهر" أنه بذل جهده لإغاثة المسلمين في "بورما" ومنع سفك دمائهم، وانتهاك حرماتهم؛ فليس فيما فعله لا كفر نوع، ولا كفر عين، ولا فسق!
غفر الله للجميع.