حكم عدم كتابة الديون، وترك الإشهاد على البيع
السؤال:
1- قال الإمام أبو بكر بن العربي -رحمه الله- في أحكام القرآن: "ولا خلاف بيْن فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد لنا إلى ما لنا فيه الحفظ والصلاح، والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئًا منه غير واجب" انتهى. في حين أن بعض المشايخ ذكر وجوب كتابة الدين؛ للأمر في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة:282)، فما حكم ذلك مع الإجماع السابق الذي نقله الإمام ابن العربي؟ وهل كتابة الديون والإشهاد عليها كلاهما واجب أو مستحب؟ وهل حضرتك ترجح القول بالوجوب؟ وإن كانت كتابة الدين واجبة: ألا يتعارض هذا مع قول الله -تعالى- بعد آية الدين: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) (البقرة:283)، حيث نص على عدم التقيد بالرهن في مقابل الدين وعدم كتابته؟
2- ما حكم عدم الإشهاد على البيع؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- فلا يصح الإجماع الذي نقله ابن العربي -رحمه الله-، وقد قال بالوجوب بعض الفقهاء وهو ظاهر الآية، وهذا الذي قلتُ إن الآية ظاهرها الوجوب، وأما الآية: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فهي في الرهن عند عدم إمكان الكتابة، ثم لا يقول الجمهور بمفهومها في وجوب الكتابة عند عدم المن بل يقولون بالاستحباب أيضًا، وعلى أي حال فالمسألة فيها اجتهاد، وأنا لا أجزم بالوجوب.
2- أما الإشهاد على البيع فمستحب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الإشهاد على البيع فباع دون شهودٍ كما في حديث خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- الذي جعل الرسول شهادته بشهادة رجلين، فعن عمارة بن خزيمة: أَنَّ عَمَّهُ، حَدَّثَهُ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ، فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ، فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ وَلا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسِ وَإِلا بِعْتُهُ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: (أَوْ لَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟) فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: لا، وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَلَى، قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ) فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ، يَقُولُ هَلُمَّ شَهِيدًا، فَقَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: (بِمَ تَشْهَدُ؟)، فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).