السؤال:
شيخنا الحبيب، نحسبك مِن العلماء العاملين ولا نزكيك على الله، ونسأل الله لكَ ا?خلاص، ولكن شيخنا الفاضل لدي سؤال يراودني، وهو: ما الذي أدخلك معترك السياسة وأنت تعلم ما فيها مِن فتن السلطان، وما وراء الدخول فيها مِن سوء ظن الناس بك؟ ألم يكن أسلم لعلمك وللناس الصمت كما فعل كثير مِن أهل العلم؟ أسأل الله أن يبارك فيك.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- فبداية: دخولنا المعترك السياسي كان بسبب أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية خطيرة جدًّا، وتمثّل ذلك في المراحل الخطيرة مِن الثورة والتي خرجت فيها دعوات بتغيير المادة الثانية مِن الدستور، فظهر أن بعض المنظمات أصحاب الأجندات استغلت كونها هي المشاركة في الثورة بقوة؛ إن لم تكن هي "عود الثقاب" الذي استغل الاحتقان الهائل في الشارع في عهد "حسني مبارك" حتى أشعل الثورة!
ولتتابع هذه المخاطر مِن تغيير هوية الدولة دستوريًّا، وما كان سيتبع ذلك مِن تغييرات قانونية واجتماعية وغير ذلك مما يزيد العملية الدعوية صعوبة.
2- كان البديل المطروح للمشاركة باسم العمل الإسلامي هم "جماعة الإخوان المسلمين"، ولا يخفى على السائل ما بيننا مِن خلافات منهجية، وما لهم مِن طريقة لا نرتضيها في التعامل مع قضايا منهجية منذ أيام انفصال الدعوة السلفية عن الجماعة الإسلامية؛ ولعدم قبولنا لأن يكون تصورهم عن العمل الإسلامي هو التصور الذي يمثلنا دعويًّا وسياسيًّا؛ لذلك كان لا بد مِن دخول العمل السياسي لتقديم صورة مغايرة عن الصورة التي يقدمونها.
وقد ظهرت هذه الخلافات جلية مؤخرًا في القرارات الخرقاء التي تم اتخاذها مِن قادة الجماعة في أوقات حساسة، كانت يمكن أن تودي بالحركة الإسلامية كلها في صدام صفري؛ الخاسر الأول منه هو الحركة الإسلامية ككل.
ولرفضنا أن يتخذ القرارات باسم الحركة الإسلامية كلها تيار واحد ثم لا يؤخذ رأينا فيه، ونتحمل نحن تبعاته ونتائجه ونقف موقف المتفرج فقد قررنا المشاركة في العمل السياسي، وإذا تصورتَ هذه المخاطر؛ فإن وجود الصوت السلفي في العمل السياسي كان له أثر ضخم في الصورة السياسية بعد الثورة.
3- رغم وجود الفتن التي تتكلم عنها فقد كان لدينا رغبة حقيقية في الإصلاح، وفتنة الدخول على السلطان هي: الدخول عليه للموافقة؛ وإن ظلم، وإن اعتدى، وإن ضلَّ! وبحمد الله -تبارك وتعالى- لم يكن منا ذلك، بل كان دخولنا -أيام كنا ندخل، وليس كما يظن البعض أن ذلك مستمر!- كان للنصح والتحذير مِن الظلم والعدوان، وليس مداهنة أو توقيع لشيكاتٍ على بياض، ولكن في نفس الوقت: لا نكون فتنة لهؤلاء في أن يعتبر العمل الإسلامي برمته عدوًّا له، كما تقوم بذلك بعض التيارات، بل وهي مستمرة في ذلك!
على كل حال: تحقق كثير مما رجونا، ولم يتحقق كثير أيضًا مما رجونا -أو مما زاد رجاؤنا فيه بعد حين-؛ لأننا لم نكن نتصور أن يكون الدخول في العمل السياسي بهذا الثقل، فزادت آمالنا بطريقة فوق الواقع أحيانًا، والذي أتصور أنه لم يقع بالصورة التي نرجوها: هو المشاركة في الإصلاح بالصورة التي نراها للإصلاح، ولكن -بحمد الله- تم منع الكثير مِن الفساد الذي كان ينتظر الحركة الإسلامية ككل!
ونسأل الله -تعالى- أن يعفو عنا وأن يغفر لنا زللـنا، وأن يتقبل منا، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه، وصالحًا موافقًا لشرعه.