الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 22 أبريل 2013 - 12 جمادى الثانية 1434هـ

التعزية في قتلى تفجيرات "بوسطن"

السؤال:

1- ما حكم تفجيرات بوسطن؟ وما موقف الدعوة السلفية ورأيها فيها الآن؟ وهل سيتغير الموقف عما سبق لتغير الظروف الحالية؟

2- أيهما أفضل: التعزية في ضحايا انفجار بوسطن أم السكوت؟ وهل عزى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحد من مشركي الدنيا سواء كانوا محاربين أو مدنيين أو ذميين؟ وإن كان لا أفلا يسعنا ما وسِع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السكوت وعدم التعزية؟ وإن كان نعم فأود معرفة الدليل إذ أن الإخوة في حزب النور قاموا بالتعزية في هذه التفجيرات؟

3- هل يوجد في الشرع تصنيف للكفار غير كونهم من الذميين أو المحاربين؟ ووالله لستُ بمتشدق، ولكني أسأل، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فمن دخل بلاد الكفار بأمان، ومنه: "التأشيرة"، وبمقتضى العهود الدبلوماسية بين دولته التي يحمل جواز سفرها وبين هذه الدول؛ كان هذا أمانًا لهم منه عند الأئمة الأربعة، وهو الذي لا شك فيه؛ فلا يجوز له أن ينقض هذا العهد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

وموقف الدعوة لم يتغير من مثل هذه التفجيرات، وراجع موقف الدعوة من "تفجيرات سبتمبر"، وراجع شريط الشيخ "محمد إسماعيل" -حفظه الله- عن حادثة تفجير "مترو لندن".

2- أمر التعزية في قتلى هذه الحوادث من غير المسلمين حسب المصلحة؛ فتجوز التعزية لكافر في كافر، وفي مسلم لكافر، وفي كافر لمسلم كما نص عليه غير واحد من أهل العلم.

قال النووي -رحمه الله-: "فَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ، أَوْ أَلْهَمَكَ الصَّبْرَ، أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَكَ وَنَحْوَهُ. وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِكَ، وَأَحْسَنَ عَزَائَكَ. وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعَزِّيَ الذِّمِّيَّ بِقَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ، فَيَقُولُ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلا نَقَصَ عَدَدُكَ" (روضة الطالبين: 2/ 144- 145).

وقال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في متن المقنع: "وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنِ كَافِرِ: خْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلا نَقَصَ عَدَدَكَ" .

وقال المرداوي -رحمه الله- في الإنصاف: "وَلا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالأَجْرِ، وَلا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: وَيَقُولُ لَهُ أَيْضًا: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ يَقُولُ: أَعْطَاك اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِك أَفْضَلَ مَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِك" (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 2/ 566). ثم ذكر الخلاف في المذهب في تعزية الكفار على 3 أقوال: "التحريم - الكراهة - الإباحة".

والعلماء يقيسون التعزية على عيادة المريض، وهي تجوز لمعاهَد وغير معاهد إذا كانت فيها مصلحة.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنْ تَعْزِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهِيَ تُخَرَّجُ عَلَى عِيَادَتِهِمْ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لا نَعُودُهُمْ فَكَذَلِكَ لا نُعَزِّيهِمْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلامِ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَالثَّانِيَةُ: نَعُودُهُمْ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى غُلامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ، فَعَلَى هَذَا نُعَزِّيهِمْ فَنَقُولُ فِي تَعْزِيَتِهِمْ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك. وَعَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلا نَقَصَ عَدَدَك، وَيَقْصِدُ زِيَادَةَ عَدَدِهِمْ لِتَكْثُرَ جِزْيَتُهُمْ) (المغني: 2/ 406).

وجمهورية مصر العربية في رئاسة د."مرسي" تلتزم بمعاهدات دبلوماسية وغيرها مع الولايات المتحدة، فهم مع المصريين في حكم المعاهدين "حتى ولو كانوا محاربين لدول إسلامية أخرى"؛ فالدول التي يحتلونها صفتهم فيها تختلف عن الدول التي ترتبط معهم بعهد، فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعامل قريشًا بـ"مقتضى صلح الحديبية" رغم أذيتهم للمستضعفين من المسلمين في مكة، ولما فرَّ "أبو بصير" -رضي الله عنه- منهم واجتمعت معه عصابة من المسلمين وصاروا يهاجمون قوافلهم لم يمنعهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك ولم يعاونهم؛ لأنهم معاهدون مع الدولة المسلمة في المدينة، ولم يعاون أحد من المسلمين في المدينة أبا بصير -رضي الله عنه- مع موالاتهم للمسلمين عمومًا.

فالحكم يختلف من بلد إلى آخر، ومن حال إلى آخر، ويمكن أن يكون محاربًا مع أهل بلد ومعاهدًا مع أهل بلد آخر، وفي حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه-: "فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ... " (متفق عليه)، فكان الرجل مستأمنًا رغم أن بلده دار حرب مع المسلمين؛ فوجب معاملة كلٍ بما يستحقه شرعًا.

فلا مانع من تعزية الأمريكان في قتلاهم، وأنا أرجح مصلحة التعزية؛ لإثبات أن قضية الولاء والبراء عندنا لا تعني عدم وجوه المعاملة بما يحل شرعًا من وجوه البر والقسط بما يحقق التوازن في الصورة، و"حزب النور" حزب رسمي في جمهورية مصر العربية، ومواقفه لابد أن تكون واضحة، ولم يَرد نهي عن التعزية، وهي ليست من معاني الموالاة، والذي يريد المنع فعليه الدليل، والقياس الصحيح من أدلة الشرع.

3- والكفار بين ذميين ومعاهدين ومحاربين، والحربيون منهم مَن يقاتل ومنهم من لا يقاتل، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ لِخَالِدٍ لا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا عَسِيفًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وفي رواية: (أَدْرِكْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: لا تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً، وَلا عَسِيفًا) (رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان، وصححه الألباني).