كتبه/ سالم أبو غالي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
لم يخبرني أحد.
لم أقرأه في الأخبار، ولا سبقته رسالة تحذير.
بل شعرتُ به…
زلزالٌ قصير، لكنّه ترك رجفة طويلة في القلب.
كنت في غرفتي، وكل شيء يسير بنمطه المعتاد، وفجأة… ارتجَّت الأرض، واهتز البيت، وفي لحظة تحوّل الصمت إلى صوت داخلي صاخب… لم يكن صوت الجدران، بل صوت التخيل والخواطر!
لحظات الزلزال أيقظت في داخلي زلزال الآخرة؛ تذكَّرت قوله -تعالى-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) (الزلزلة: 1-2).
رأيت المشهد بعين القلب لا بعين الرأس.
الأرض تُلقي ما بداخلها من موتى وأسرار، تتكلم وتشهد، والنفوس ترتجف، والناس يقولون: ما لها؟! حيث لا مفر ولا مهرب، ولا عودة لتدارك ما فات.
ثم تسلَّل إلى قلبي زلزال آخر… زلزال الموت؛ ذاك الذي يأتي فجأة، كما جاء هذا الزلزال.
لا يستأذن أحدًا، لا يُمهل لحظة، ولا يُمهِّد بدقَّات إنذار.
فهل أنا مستعد؟!
وفي غمرة هذا الشعور، تذكَّرت أن مثل هذه الزلازل ليست مجرد ظواهر طبيعية، بل رسائل ربانية، تحمل معاني عظيمة لمن تأمل وتدبر.
وبينما أُقلب صفحات مواقع التواصل؛ لا لأضحك، بل لأطمئن، وقعت عيني على منشور أوقفني طويلًا... شاب كتب -وهو حزين يعتصره الندم- يقول: "كنت أشاهد فيلمًا إباحيًّا وقت الزلزال…!". كلماته كانت مثل صفعة، لكنها ليست له وحده، بل لنا جميعًا.
ماذا لو كانت الخاتمة؟!
ماذا لو كانت النهاية؟!
لكن… -ويا للأسف!- في ذات اللحظة، وجدتُ من يتعامل مع الأمر على النقيض تمامًا… ضحكات، نكات، مقاطع ساخرة، تعليقات تستخف بالموقف؛ فقلت في نفسي: أهكذا نستقبل آيات الله؟! أهكذا نخاف؟! (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النحل: 45)، (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف: 97-99).
الزلزال الذي شعرت به، لم يكن مجرد اهتزاز أرضي، بل صفعة توقظني من غفلتي… وما زال قلبي يرتجف، لكنها رجفة إيمان لا رجفة خوف فقط!
رجفة تدعوني إلى الطاعة، وتُعيد ترتيب أولوياتي، وتدفعني لأكون أفضل مما كنت.
وهنا، أقف مع نفسي وأقول: ما الذي تعلَّمته من هذا الزلزال؟
رأيت بعيني قلبي قدرة الله حين تهتز الأرض، لا يبقى للغرور مكان، ولا للتخطيط سلطان!
إنها لحظة نرى فيها ضعفنا الصارخ، ونسمع فيها حقيقة لطالما تغافلنا عنها، كأن الله يخبرنا بأنه هو وحده القادر على أن يسكن الأرض أو يرجفها.
شعرت أنني في امتحان... اختبار مفاجئ، قصير، لكنه يفضح القلوب: هل تثبت؟ هل تتذكر الله؟ هل تُسابق إلى الطاعة؟ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 155)، فمن صبر فله البُشرى، ومن تذكر فقد نجا.
أبواب التوبة مفتوحة... كم من عبدٍ رفع بصره إلى السماء، ودمعه في عينيه، وقال: "يا رب سامحني، فأنا أولى بالاتعاظ والتذكير"؛ فالزلزال لا يوقظ الحيطان فقط… بل يُوقظ النفوس.
تعلمت من الزلزال أن نتراحم… تذكّرت إخواننا في فلسطين.
ما شعرت به لا يُقارن بما يجدونه كل يوم!
زلزالي دقائق وانتهى، أمَّا زلازلهم فحرب لا تهدأ؛ هدم حقيقي ودمار لا يُبقي بيتًا ولا يأوي قلبًا.
شعرت بشيء من وجعهم؛ فزاد يقيني أن الرحمة بيننا واجبة، وأن الدعاء لهم لا يكفي إن لم يصحبه إحساس صادق بما يُكابدونه كل لحظة!
قلا تجعل الزلزال يمر كما جاء، بل اجعله نقطة تحوُّل؛ لعل رجفة الأرض تُنبِت في قلبك ثباتًا لا يزول.