الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 29 مايو 2011 - 26 جمادى الثانية 1432هـ

الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان (3-3)

المقام الثالث: في الجواب مفصلاً

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عرضنا فيما مضى لمحاولات أعداء الإسلام وطرقهم في دعواتهم الآثمة إلى زمالة الأديان أو وحدتها، والآن نقيم الأدلة مفصلة على هذه الخلاصة الحكمية، وهي تتجلى بإقامة الأصول والمسلَّمات العقدية الآتية:

الأصل العام: دين الأنبياء واحد، وشرائعهم متعددة، والكل مِن عند الله -تعالى-:

فنعتقد أن أصل الدين واحد، بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين، واتفقت دعوتهم إليه، وهو الدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، وهذا الدين هو دين العالم بأسره مِن آدم -عليه السلام- إلى آخر نفس منفوسة مِن هذه الأمة.

وأما شرائعهم فمتعددة متفرعة مِن هذا الأصل، وهذا هو المقصود مِن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) (متفق عليه)، وهو المقصود مِن قول الله -تعالى-: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى:13).

- والدين بهذا الاعتبار هو "دين الإسلام" بمعناه العام، وهو: إسلام الوجه لله، وطاعته، وعبادته وحده، والبراءة مِن الشرك، والإيمان بالنبوات، والمبدأ والمعاد.

- ودين الإسلام بهذا الاعتبار هو دين الأنبياء والمرسلين وملتهم، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36)، وقال -سبحانه-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25).

- وإنما خص الله -سبحانه وتعالى- نبيه إبراهيم -عليه السلام- بأن "دين الإسلام" بهذا الاعتبار العام هو ملته، في مثل قوله -تعالى-: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95)؛ لوجوه:

أولاً: أنه -عليه السلام- واجه في تحقيق التوحيد، وتحطيم الشرك، ونصر الله له بذلك ما قصَّ الله خبره أمرًا عظيمًا.

لا تلتفت إلى غلط الغالطين، ولا إلى مَن خدعتهم دعوة إخوان الشياطين، ولا إلى المأجورين، ولا إلى أفراد من الفرق الضالة من المنتسبين إلى الإسلام للمناصرة والترويج لهذه النظرية

ثانيًا: أن الله جعل في ذريته النبوة والكتاب.

ثالثًا: لإبطال مزاعم اليهود والنصارى في دعواهم أنهم على ملة إبراهيم -عليه السلام-، قال -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67).

ثم بيَّن الله -تعالى- أن أولى الناس بإبراهيم هم الذين على ملته وسنته، فقال: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:68).

وهكذا في كثير من الآيات يُنبِّه -تعالى- على أن هذا القرآن ما أُنزل إلا ليجدد دين إبراهيم -عليه السلام-، حتى دعاهم بالتسمية التي يكرهها اليهود والنصارى: "ملة إبراهيم"، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحج:78).

- والإسلام بهذا المعنى يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي مِن أنبياء الله الذي بُعث فيهم، فيكونون مسلمين، حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده، واتباعهم لشريعة مَن بعثه الله فيهم، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم، فهم على دين الإسلام، ثم لما بعث الله نبيه عيسى -عليه السلام-، فإن مَنْ آمن مِن أهل التوراة بعيسى واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على ملة إبراهيم، ومَن كذّب منهم بعيسى -عليه السلام-؛ فهو كافر لا يوصف بالإسلام.

ثم لما بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتمهم وشريعته خامة الشرائع، ورسالته خاتمة الرسالات، وهي عامة لأهل الأرض؛ وجب على أهل الكتابين وغيرهم اتباع شريعته، وما بعثه الله به لا غير، فمن لم يتبعه؛ فهو كافر لا يُوصف بالإسلام، ولا أنه حنيف، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا ينفعه ما يتمسك به من يهودية أو نصرانية، ولا يقبله الله منه، فبقي اسم "الإسلام" عند الإطلاق منذ بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى يرث الله الأرض ومَن عليها- مختصًا بمن يتبعه لا غير، وهذا هو معناه الخاص الذي لا يجوز إطلاقه على دين سواه.

- يجب على كل مسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، أن يدين الله -تعالى- ببُغض الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم.. ومعاداتهم في الله -تعالى-، وعدم محبتهم ومودتهم وموالاتهم وتوليهم، حتى يؤمنوا بالله وحده ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولاً، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

- يجب على كل مسلم اعتقاد كفر مَن لم يدخل في هذا الإسلام مِن اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافرًا، وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار، يقول الله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف:158).

وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيُّ وَلاَ نَصْرَانِيُّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ).

- ولهذا؛ فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر؛ طردًا لقاعدة الشريعة: "من لم يكفر الكافر؛ فهو كافر"(1).

ونقول لأهل الكتاب: (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (النساء:171).

- ولا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يبقى على أيٍّ من الشريعتين: "اليهودية والنصرانية"؛ فضلاً عن الدخول في إحداهما، ولا يجوز لمتبع أيِّ دين غير الإسلام وصفه بأنه مسلم، أو أنه على ملة إبراهيم -عليه السلام-،؛ لأن ما كان فيهما من شرع صحيح؛ فهو منسوخ بشريعة الإسلام، فلا يقبل الله مِن عبدٍ أن يتعبده بشرع منسوخ، ولأن ما كان منسوبًا إليهما من شرع محرف مبدل، فتحرم نسبته إليهما، فضلاً عن أن يجوز لأحد اتباعه.

- وليعلم كل مسلم أنه لا لقاء ولا وفاق بين أهل الإسلام والكتابيين وغيرهم من أمم الكفر إلا وفق الأصول التي نصت عليها الآية الكريمة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64)، وهي: توحيد الله -تعالى-، ونبذ الإشراك به، وطاعته في الحكم والتشريع، واتباع خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- الذين بشرت به التوراة والإنجيل.

- فيجب أن تكون هذه الآية هي شعار كل مجادلة بيْن أهل الإسلام وبين أهل الكتاب وغيرهم، وكل جهد يُبذل لتحقيق غير هذه الأصول؛ فهو باطل.. باطل.. باطل.

- وإن إفشال تلك المؤتمرات -التي هي في حقيقتها "مؤامرات" على المسلمين مؤكد بوعد الله -تعالى- للمسلمين في قوله -تعالى-: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذىً) (آل عمران:111)، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (رواه مسلم).

- لكن هذا -وايم الله- لا بد له مِن موقفين:

موقف رفع راية الجهاد، وتوظيف القدرات بصدِّ العاديات.

وموقف للبناء وتحصين المسلمين بإسلامهم على وجهه الصحيح.

- ولا تلتفت -أيها المسلم- إلى غلط الغالطين، ولا إلى مَن خدعتهم دعوة إخوان الشياطين، ولا إلى المأجورين، ولا إلى أفراد مِن الفرق الضالة مِن المنتسبين إلى الإسلام؛ للمناصرة والترويج لهذه النظرية، فيتسلمون الفتيا، وما هم بفقهاء، ولا بصيرة لهم في الدين، وإنما حالهم كما قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:78).

اللهم إني قد بيَّنتُ ونصحتُ في هذا كل مسلم قدَّر نفسه حق قدرها، مؤمنًا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، فأذعن للحق، اللهم فاشهد.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدي ضال المسلمين، وأن يُذهب عنهم البأس، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين، وأن يثبتنا جميعًا على الإسلام حتى نلقاه، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لأنه لم يصدق اللهَ -تعالى- في قوله، ولا رسولَه -صلى الله عليه وسلم-.