الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 21 يوليه 2025 - 26 محرم 1447هـ

تجديد الإيمان بآيات الرحمن (2) سورة البقرة

كتبه/ أحمد حرفوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تناولت سورة البقرة طرفًا من صفات المتقين، ثم تحدثت عن الكافرين، ثم أطالت في الحديث عن المنافقين.

ولنتأمل حديثها عن المتقين؛ قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) (البقرة: 2)، هذا القرآن المنزل عليك يا رسول الله هو الكتاب الذي لا يدانيه كتاب (لَا رَيْبَ فِيهِ) أي: لا شك في أنه من عند الله لمن تفكَّر وتدبَّر، أو ألقى السمع وهو شهيد.

(هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) أي: هادٍ للمؤمنين المتقين؛ الذين يتقون سخط الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويدفعون عذابه بطاعته. قال ابن عباس: المتقون هم الذين يتقون الشرك، ويعملون بطاعة الله. وقال الحسن البصري: اتقوا ما حُرِّمَ عليهم، وأدَّوْا ما افْتُرِضَ عليهم. وسأل عمرُ أُبَيَّ بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكتَ طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى. قال: فما عملتَ؟ قال: شمَّرتُ واجتهدتُ. قال: فذلك التقوى.

وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:

خـــلِّ الــذنـوب صغـيـرَهـا                     وكـبـيـرَهــا ذاك الـتــقــى

واصنع كماشٍ فوق أرض           الـشــوك يـحــذر ما يرى

لا تـحـــقــرنَّ صــغـــيــرةً            إنَّ الجـبـال من الحـصـى

ولو اتَّبع المسلمون تعاليم القرآن لسعدوا في الدنيا والآخرة.

ثم بيَّن -تعالى- صفات هؤلاء المتقين فقال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة: 3)، أي: يصدِّقون بما غاب عنهم ولم تدركه حواسُّهم من: البعث، والجنة، والنار، والصراط، والحساب، وغير ذلك من كل ما أخبر عنه القرآن أو النبي -صلى الله عليه وسلم-.

(وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) أي: يؤدُّونها على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها، وخشوعها وآدابها، قال ابن عباس: إقامتُها: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع.

(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) أي: ومن الذي أعطيناهم من الأموال ينفقون ويتصدَّقون في وجوه البر والإحسان، والآية عامة تشمل الزكاة، والصدقة، وسائر النفقات.

وكثيرًا ما يقرن الله -تعالى- بين الصلاة والإنفاق من الأموال؛ لأن الصلاة حقُّ الله وهي مشتملة على توحيده وتمجيده والثناء عليه، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين وهو حق العبد، فكلٌّ من النفقات الواجبة، والزكاة المفروضة داخل في الآية الكريمة: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي: يصدِّقونك بكل ما جئتَ به عن الله -تعالى-. (وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي: وبما جاءت به الرسل من قبلك، لا يفرِّقون بين كتب الله، ولا بين رسله.

(وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي: ويعتقدون اعتقادًا جازمًا لا يلابسه شك أو ارتياب بالدار الآخرة التي تتلو الدنيا، بما فيها من: بعثٍ وجزاءٍ، وجنةٍ، ونار، وحساب، وميزان، وإنما سمِّيت الدار الآخرة؛ لأنها بعد الدنيا. (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) أي أولئك المتصفون بما تقدم من الصفات الجليلة، على نور وبيان وبصيرة من الله. (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة: 3-5)، أي: وأولئك هم الفائزون بالدرجات العالية في جنات النعيم. وقد كرَّرت الإشارة: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى) (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛ للعناية بشأن المتقين، وجيء بالضمير (هُمُ) ليفيد الحصر كأنه قال: هم المفلحون لا غيرهم. (ينظر: تفسير ابن كثير).

ونكمل في العدد القادم -إن شاء الله تعالى-.