الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 06 يناير 2025 - 6 رجب 1446هـ

حاجة البنين والبنات إلى قدوات

كتبه/ عبد الرحمن العطار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ففي عصر ضاعت فيه معالم القدوات، وشُوِّهت المفاهيم، واختلط الحابل بالنابل، وأُبرز الخبيث وجُمّل وغُطي الطيب وأُهمل، بل وهوجم وشوه...

في عصر علا شأن السفهاء والرويبضات، وصعدوا المنصة، واستحوذوا على مكبر الصوت، وصفَّق لهم الجماهير...

في عصر شيطن الإعلام أهل الحق فلم يبقَ للناشئة إلا قدوات هابطة سافلة، دعاة على أبواب جهنم مَن أجابهم قذفوه فيها...

هنا يأتي دور المربين كي يغرسوا في نفوس الناشئة التعلق بالقدوات الصالحة؛ لا سيما من الصحابة والسلف الصالح، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مَن كان متأسيًا فليتأسَّ بأصحاب رسول الله؛ فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاتبِعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

والمربون مضطرون لذلك كي لا يفقد الناشئة البوصلة في غمرة الحياة وتزاحم تلميع الشخصيات المزيفة؛ فالنفوس مجبولة على التطلع إلى القدوة فهي لا بد لها أن تقتدي بأحد، سواء كان في الخير أو في الشر.

فإذا لم تتوفر للناشئة قدوات صالحة يتأسون بسيرهم؛ بحثوا عن قدوات أخرى ولو كانت شرًا كي يتبعوهم، فإن لم نتدارك ذلك فإن الهواتف في أيديهم والشبكة العنكبوتية في غرفهم تغذيهم وتملأ الفراغ عندهم بقدوات من عندها وبمقاييسها، فتنتكس فطرهم وتمسخ هويتهم ثم نندم ولات حين مندم.

الله -عز وجل- أمر نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- بأن يقتدي بمَن سبقه مِن الأنبياء، وأن يسير على نهج مَن جاء قبله من الأصفياء؛ يقول الله -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90).

والإمام أبو حنيفة النعمان -رحمه الله- قال: "الحكاياتُ عن العلماءِ ومحاسنِهم أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه؛ لأنها آدابُ القوم".

فالقدوة الصالحة هي الميزان الذي نقيس به مدى تمسك أبنائنا بدينهم وقيمهم، ومعرفة مدى انحرافهم عن هذا الدين وتلك القيم؛ فالقدوة الصالحة تبعث في نفوس الأبناء حب التنافس في الخير، والمسابقة إلى فعله، وسيرهم تُذكي في روح الناشئة الرغبةَ في منافستهم، ومحاولة محاكاتهم في أفعالهم، فإذا قرأوا سير هذه النماذج المشرقة اشرأبَّتْ نفوسهم لتقليدهم، وعلَتْ همتهم لمنافستهم في الخير.

فتَشبَّهوا إن لم تكونوا مِثلَهم                  إن الـتـشـبُّهَ بالـكـرام فـلاحُ

والله -عز وجل- أمرنا أن نقتدي بالأنبياء وأتباعهم؛ قال ربنا -جل جلاله-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) (الممتحنة: 4).

وضرب الله مثلاً للقدوة السيئة بامرأتين من الكافرين، وللقدوة الحسنة بامرأتين من الصالحين؛ فقال الله -تعالى-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ . وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم: 10-12).

فالله أسأل أن يهدي أولادنا إلى الصراط المستقيم، وأن يجنبهم السوء والردى، وأن يمسكِّهم بالإسلام، ويجعلهم هداة مهتدين بمنِّه وكرمه وجوده، فإنه خير مَن سُئِل، وأجود مَن أعطى، وأكرم من عفا، وأعظم من غفر.