كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد توارد على الذهن سؤال لطالما احتجت إلى جوابٍ شافٍ له، متعلق بطلب العلم وطلابه، ومتصل بالحديث عن المنهجية العلمية؛ وهو حديث حاضر بقوة بين الطوائف والمدارس العلمية الشرعية؛ ألا وهو: لماذا ينبغ كثيرٌ من أبناء الدعوة السلفية في طلب العلم، ويحصلون على أعلى الشهادات الشرعية والدرجات العلمية، ويتأهلون للتصدي للشبهات، ويمتلكون حججًا وبراهين في عرض القضايا الشرعية، وبيان منهج السلف الصالح؟
وإني أضع بين يدي القارئ مستعينًا بالله جوابًا مختصرًا مرتبًا يفتح له بابًا للتوسع في قضية النبوغ العلمي في واقع الحركة العلمية المعاصرة، ويسهم في إبراز معلم من معالم الدعوة السلفية، ويكون متضمنًا لحثِّ أبناء الدعوة على ملازمة أسباب التفوق والنبوغ العلمي انطلاقًا من معرفة فضل العلم وأهله، وأثره على صلاح الفرد والأمة، والفوز بفضائل العلم النافع في الدنيا والآخرة:
1- سلامة المنهج والالتزام بالوحي، وعدم انشغال عقولهم بالخرافات والطلاسم وما لا يفيد من الفلسفات المعقدة: فأبناء الدعوة السلفية يعتمدون على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، والاستفادة من شروح الأئمة، والراسخين من أهل العلم؛ مما يوفِّر لهم ميزانًا علميًّا ومنهجيًّا دقيقًا لمعرفة الحق وتجنب الانحراف؛ كما أن البعد عن التقليد الأعمى والتمسك بالأدلة الشرعية وَفْق أسس علمية منضبطة في قضية التقليد يجعل طلب العلم لديهم مبنيًّا على التحقق والتثبت.
2- الاهتمام بالعقيدة الصحيحة: فالتركيز على علم التوحيد والعقيدة منذ الصغر يُؤسس لديهم قاعدة راسخة في الإيمان؛ مما يحثهم دائمًا على إخلاص النية في طلب العلم، والعمل، وهو مأثر من آثار تعلم التوحيد، فإدراك أهمية العقيدة الصافية المحكمة في إصلاح النفس والمجتمع يجعلهم أكثر شغفًا بالعلم الشرعي.
3- الاعتناء بعلوم المقاصد فهي الغاية مع الحرص على إتقان علوم الآلة: فاهتمامهم بالعلوم الأساسية (التفسير والحديث والفقه والسلوك) وتلقيها من معينها الصافي والكتب المحققة يربط قلوبهم وعقولهم بأنوار الوحي، وصحيح الأحكام، ثم مع ذلك اهتمامهم باللغة العربية: كالنحو والصرف، والبلاغة، وعلوم الآلة: كالمصطلح، وأصول الفقه؛ يفتح لهم أبواب فهم نصوص الوحي على وجه صحيح، وكثير منهم حرص على الدراسة في كليات اللغة والأخذ عمَّن عُرِف ببراعته في اللغة وتبحره، وكذا بقية علوم الآلة.
وإتقان أصول الفقه والقواعد الفقهية يُمكنهم من التأهل لاستنباط الأحكام الشرعية بدقة، ومعرفة موارد العلماء، وتوجيه اختياراتهم الفقهية.
4- العناية بكتب التراث مع شروح كبار العلماء المعاصرين: أبناء الدعوة السلفية يحرصون على قراءة وفهم كتب الراسخين في العلم والمحققين؛ مثل: كتب ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والذهبي، وابن رجب، وابن حجر، والنووي، وابن عبد البر، ومِن قبلهم كتب السلف، وغيرهم، بعد الاطلاع على شروح رواد الصحوة العلمية من العلماء المعاصرين؛ مثل: ابن باز، وابن عثيمين، والشنقيطي، والألباني، وبكر أبي زيد، والمعلمي؛ مما يعزز فهمهم للتراث، ويجعله حيًّا وعمليًّا، ومتيسرًا عليهم، ويمكِّنهم من الاستفادة منه والدفاع عنه.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.