كتبه/ طلعت مرزوق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالقول بفناء الجنة والنار قول مبتدع، مخالف لما عليه أهل السُّنة والجماعة، وقد نص بعض أهل العلم على التكفير به (إذا توافرت شروط، وانتفت موانع)؛ لما فيه من ردّ النصوص الدالة على عدم فنائهما.
قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان ولا تبيدان".
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: "وقال بفناء الجنة والنار: الجهم بن صفوان -إمام المُعطّلة-، وليس له سلف قط؛ لا من الصحابة، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السُّنة، وأنكره عليه عامة أهل السُّنة، وكفّروه به".
وقال ابن حزم في كتابه: "الملل والنحل": "اتفقت فرق الأمة كلها على أن لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان!".
وقال شيخ الإسلام في كتابه "بيان تلبيس الجهمية": "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السُّنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية: كالجنة، والنار، والعرش، وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين؛ كالجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة، ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها".
وقال في "الصفدية": "والجهم هو أول من أظهر هذا الكلام في الإسلام، وطرَد قياسه بأن ما كان له ابتداء فلا بد أن يكون له انتهاء، وأن الدليل الدال على امتناع ما لا يتناهى لا يفرق بين الماضي والمستقبل، فقال بفناء الجنة والنار، وكان هذا مما أنكره عليه سلف الأمة وأئمتها".
وقال في "منهاج السنة": "قالوا -أي: جمهور أهل السُّنة القائلين بالتعليل-: والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل؛ فإن نعيم الجنة وعذاب النار دائم مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، فزعم أن الجنة والنار تفنيان! وأبو الهذيل العلاف زعم أن حركات أهل الجنة والنار تنقطع، ويبقون في سكون دائم؛ وذلك لأنهم اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي والمستقبل، قالوا هذا القول الذي ضلّلهم به أئمة الإسلام".
قال ابن القيم في كتابه: "حادي الأرواح": "لا ريب أن القول بفنائهما -يعني الجنة والنار- قول أهل البدع من: الجهمية، والمعتزلة، وهذا القول لم يقله أحدٌ من الصحابة، ولا التابعين، ولا أحد من أئمة المسلمين".
وكذلك القول بفناء النار وحدها مخالف للأدلة وللإجماع السابق من السلف وإن قال به بعض أهل العلم.
قال الألوسي في "جلاء العينين": "ثم اعلم أنه قد تبيَّن لك مما نقلناه من الأقوال: أن القول الصحيح، الحري بالترجيح، هو بقاء الجنة والنار وساكنيهما من الأخيار والفجار. وأن الشيخ ابن تيمية لم يتبين عنه نقل صحيح فيما نسب إليه. ولئن سلم أنه مال لذلك؛ فقد ذهب إليه بعض السلف، وأفراد من الخلف -كما تقدم آنفًا-، فليس في ميله ما يوجب تكفيرًا عند من أنصف، على أننا لا نعلم -إن صح النقل- عدم رجوعه عنه، وهو لا يُعدُ عند المنصفين إلا من العلماء المجتهدين، وأي مجتهد قرنت بالصواب جميع أقواله، وصوبت كافة أحواله! وكم رجع مجتهد عن اجتهاده الأول، ونص على خلافه، وعوَّل".
ولا شك أن ما قاله الشيخ علي جمعة -مفتي مصر السابق- في البرنامج التليفزيوني الذي عُرِضَ في شهر رمضان عام 1445هـ "نور الدين": "وارد ربنا يُلغي النار، ويُدخِل كل الناس الجنة!"، مباين حتى للقول الباطل بفناء النار من جهتين:
الأولى: أن مَن قال بفناء النار، لم يقل بفنائها قبل أن يدخلها مَن مات على الشرك مِن غير توبة.
الثانية: أن من قال بفناء النار، لم يقل بدخول أهلها الجنة، بل يتحولون إلى تراب.
وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-.