الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 31 أكتوبر 2024 - 28 ربيع الثاني 1446هـ

رسائل مبسطة في العقيدة (3) أصل الدِّين

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فبعد الاكتشافات في علم الكونيات والفيزياء والكيمياء والتقدُّم العلمي في هذه المجالات وغيرها، درس العلماء واكتشفوا أكثر من 1000 ثابت كوني في كوننا؛ لو اختل أحد هذه الثوابت لما نشأ الكون أو الحياة!

وقد جمعها هيوروس دكتور الفيزياء الفلكية، وبلغ عددها 1115 (ألفًا ومائة وخمسة عشر ثابتًا) في حدود تقديره وعلمه المحدود.

ثم تأمل هذا النداء القرآني: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار: 6-8)

ثم بعد أن تدرك عظمة الإحكام في خلق الإنسان؛ اسمع قوله -تعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (غافر: 57).

فأمر الكون أعظم من ذلك؛ فالكون قد ضُبِط ضبطًا دقيقًا متقنًا، وصُمِّم تصميمًا محكمًا من الذرة وما دونها إلى المجرة وما فوقها؛ كما قال الله -متحديًا كل جاحد ومعاند-: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) (الملك: 3-4).

وهناك عدد هائل من الأمثلة والأبحاث لمن أراد التوسع في ذلك من باب تعزيز اليقين والرد على الجاحدين، ونأخذ مثالًا واحدًا فقط على هذا الأمر، وهو مثال يتعلق بنشأة الكون -دون التدبير والتصريف-: ما مدى احتمالية نشوء مثل هذا الكون بالمصادفة -على طريقتهم هم-؟ 

إن هذه الاحتمالات قد تم حسابها من قبل البروفيسور البريطاني روجر بنروز -أخصائي في الرياضيات وصاحب كتاب "أباطرة العقل الحديث"-، وأثبتت حسابات الاحتمالات أن هذا الاحتمال يساوي 1 مقسومًا على (10 أس 10 أس 123)؛ أي: واحدًا متبوعًا بـ123 صفرًا (وهذا على سبيل المثال أكثر من العدد الكلي للذرات، ولو جمعت جميع البروتونات والنيوترونات الموجودة في الكون لما تم الوصول إلى هذا العدد، بل بقي وراءه كثير). 

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ . وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ . رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (ق: 6-11)، (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) (الأعراف: 185)

وتأمل سياقات تعداد آلاء الله -تعالى- في سور: الأنعام، والنحل، والنمل، والنبأ، وغيرها الكثير؛ تجد عجبًا لو صادف قلبًا حيًّا أو ألقى السمع وهو شهيد؛ قال ابن تيمية -رحمه الله-: "إذا تأملتَ هيئة هذا العالم ببصرك، واعتبرتها بفكرك، وجدته كالبيت المبني المُعدُّ فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد؛ فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مبسوطة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وضروب النبات مهيأة للمطاعم والملابس والمآرب، وصنوف الحيوان مسخرة للمراكب، مستعملة في المرافق، والإنسان كالمُمَلّك البيت، المخول ما فيه. وفي هذا كله دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام، وأن له صانعًا حكيمًا تام القدرة بالغ الحكمة" (بيان تلبيس الجهمية).

وأدلة الإيمان أكثر من أن تُعد، وطرائق الناس في الوصول لليقين لا تُحد، وعلى كل حال ففي الوحي ترى الأدلة النافعة بأنواعها المتنوعة بأفضل أسلوب وأسهل عبارة مع التأثير في النفس وإحداث اليقين بأقصر طريق. لكن كلٌ يأخذ منها بحسبه، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا. 

فاللهم علمنا ما ينفعنا واهدنا سبل السلام.