الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 02 أكتوبر 2024 - 29 ربيع الأول 1446هـ

الصَّالون الأدبي (مع عُقَابِ العربية الأستاذ محمود محمد شاكر) (15)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن أساتذة الأستاذ محمود شاكر؛ الذين خلَّد ذِكْرَاهُم، واحتفى بهم: أستاذُه مُحِبُّ الدِّينِ الخَطِيب.

ومحب الدين الخطيب هو محب الدين بن أبي الفتح محمد عبد القادر صالح الخطيب، وُلِدَ بدمشق وتعلَّم بالآستانة. حضر إلى القاهرة 1909، وعَمِلَ في جريدة المُؤيَّد، ثمّ قصد العراقَ فاعتقله الإنجليزُ سبعةَ أشهرٍ، ثم ذهب إلى مَكَّةَ المُكرَّمةِ عند إعلانِ الثَّورةِ العربيَّةِ 1916، فحكم عليه الأتراكُ بالإعدامِ غيابيًّا، ثمّ استَقرَّ في مِصرَ سنة 1920، وعَمِلَ مُحرِّرًا في الأهرام، وأنشأ مَجَلَّتَي: الزَّهراءِ والفتحِ، وأنشأ المَطبعةَ السَّلفيَّةَ ومكتبتَها، ونشر كُتُبًا كثيرةً مِن تأليفِه؛ توفي 1969.

وقد احتفى به الأستاذُ محمود شاكر كثيرًا في كتاباتِه؛ سأكتفي بِنَقْلِ كلامِه مِن مقالَينِ له:

الأوَّل: يَقُولُ الأستاذُ محمود في مقالٍ له في "مَجَلَّةِ العُصُور" (العدد الثاني / 9 ديسمبر 1938 / ص: 44): (لَم يَزَلْ هذا القلبُ يُكلِّفُني مِن عواطفِه يومًا بعد يومٍ، ويُطالِبُني أن أَجْزِيَ عن كُلِّ إحسانٍ بما يُعجِزُني ويُعجِزُه. وحين أصدرتُ العددَ الأَوَّلَ مِن "العُصُور" تَجَلَّتْ له عواطفُ أصحابِه وأحبابِه، وأشرق عليه مِن بِشْرِهِم وترحيبِهِم ما لا وفاءَ لي ولا له ببعضِ مِثْلِه.

ومَن حيّاني سِرًّا فأنا أَرُدُّ تَحِيَّتَهُ هنا علانيةً، ومَن قَدَّمَ إليَّ مِن مَعْرُوفِه علانيةً، فأنا أحفظُ له الشُّكْرَ في نَفْسِي ما بَقِيتُ.

وأَخُصُّ في هذا المكانِ أستاذيَ الأَوَّلَ ومُرْشِدي وصديقي الأستاذَ مُحِبَّ الدِّينِ الخطيب، صاحبَ "المكتبةِ السَّلفيَّةِ"، و"مَجَلَّةِ الفتح"، وأستاذي وصديقي الأستاذَ أحمد حسن الزَّيّات، صاحبَ "الرِّسالةِ" و"الرِّوايةِ"؛ أَخُصُّهُمَا بِكُلِّ ما أَمْلِكُ مِن هذه الدُّنيا التي يَتنازَعُ عليها الطُّغَاةُ البُغَاةُ، أَخُصُّهُمَا بقلبي وإنْ قَلَّ) (انتهى).

الثَّاني: يَقُولُ الأستاذُ محمود في مقالِه "جمعيَّة الشُّبَّان المُسلِمِين"، في "مجلة الفتح" (العدد 401، السنة التاسعة، 16 من ربيع الأول 1353، 29يونيو 1934): (وكنتُ حين تَفَجَّرَ النُّورُ مِن منبعِه الصَّافي، مع أخي -الذي أَشْرَقَتْ عليه- عبد السَّلام هارون، في طريقِنا إلى المطبعةِ السَّلفيَّةِ، يَدفَعُنا الشَّبابُ، وتَثُورُ بنا الفِكْرةُ المُنبعِثةُ مِن الآلامِ التي لَقِينَاهَا حين سَمِعْنَا خبرَ جمعيَّةِ الشُّبّانِ المَسِيحِيَّة.

وكانت دارُ المطبعةِ السَّلفيَّةِ -ولَم تَزَلْ- نَبْعَ القُلُوبِ الصَّادِيَةِ، تَرِدُهَا مِن الشَّبابِ فئةٌ قليلةُ الصَّبْرِ على ضَيْمٍ ينزل بِالأُمَّةِ العربيَّةِ مِن ظُلْمِ الاستعمارِ، وعصبيَّةِ الاستعمار.

ففي المطبعةِ السَّلفيَّةِ قُلِّدَ السَّيفَ صاحبُه؛ ذلك المُجاهِدُ الرَّابِضُ في مكتبةٍ، يُواصِلُ اللَّيلَ بالنَّهارِ، عاملًا لِأشياءَ قد استَقرَّتْ في نَفْسِهِ فصارت إيمانًا، ودارَتْ على لِسَانِهِ فأصبحت تسبيحًا، وتَرامَتْ عن قَلَمِهِ فكانت جهادًا؛ ذلك هو مُحِبُّ الدِّينِ الخَطِيب) (انتهى).

ونُكمِلُ رحلةَ وفاءِ الأستاذِ محمود لِأساتذتِه، ولِكُلِّ مَن أسدى إليه معروفًا، مع سائرِ وقفاتِ هجرتِه إلى الحجازِ وعودتِه منها، في المقالِ القادمِ -إن شاء الله-.

وباللهِ التَّوفِيق.