الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 19 سبتمبر 2024 - 16 ربيع الأول 1446هـ

مكارم الأخلاق (2) توقير كبار السن (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- الإسلام يحثّ على مكارم الأخلاق ويدعو إليها: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ) (رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني)، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- من مكارم الأخلاق المنشودة: "توقير كبار السن": قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌مِنْ ‌إِجْلَالِ ‌اللَّهِ ‌إِكْرَامَ ‌ذِي ‌الشَّيْبَةِ ‌الْمُسْلِمِ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- المقصود بكبار السن: هم مَن صاروا في مرحلة الكبر، وهي مرحلة يظهر على الإنسان فيها الضعف العام، بحيث تظهر بعض التغيرات على جسم الإنسان في حالة تقدمه في السن؛ مثل: تجعد الجلد وجفافه، وثقل السمع، وضعف البصر والشم والحواس بشكل عام، وبطء الحركة، وتغير لون الشعر، وضعف العظام، وضعف الذاكرة والنسيان، وصعوبة الحركة والمعاناة، والحاجة إلى مقويات حسية وطبية كالاستناد على العصي، والأجهزة التعويضية أحيانًا، وهذه التغيرات تقتضي رعاية خاصة لهم، من كل من حولهم ومن يتعاملون معهم.

(1) فضل كبار السن:

- كبار السن الصالحين لهم مكانة خاصة في الإسلام، بما قدموا من طاعة الله سنوات مديدة، فلا يزدادون في أعمارهم إلا كان خيرًا لهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: (‌خِيَارُكُمْ ‌أَطْوَلُكُمْ ‌أَعْمَارًا ‌إِذَا ‌سَدَّدُوا) (رواه أبو يعلى، وقال الألباني: حسن لغيره). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خِيَارُكُمْ ‌أَطْوَلُكُمْ ‌أَعْمَارًا، ‌وَأَحْسَنُكُمْ ‌أَعْمَالًا) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ؛ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ ‌الْمُؤْمِنَ ‌عُمُرُهُ ‌إِلَّا ‌خَيْرًا) (رواه مسلم).

- كبار السن سبب للخير والرزق والبركة في المجتمع: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: (الْبَرَكَةُ ‌مَعَ ‌أَكَابِرِكُمْ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ ‌تُنْصَرُونَ ‌وَتُرْزَقُونَ ‌إِلَّا ‌بِضُعَفَائِكُمْ) (رواه البخاري).

(2) واجبنا نحو كبير السن:

1- توقيره وإكرامه وإحسان معاملته:

- أن يكون له مكانة في النفوس، ومنزلة في القلوب، ببذل كل ما فيه إجلال واحترام، وإكبار له: كحسن الخطاب، وطيب الكلام، وتقبيل يده ورأسه، والتودد إليه؛ وعدم محاسبته على كل صغيرة وكبيرة، أو تعمد إحراجه أمام الآخرين، فإن إكرام الكبير وإحسان معاملته هو في الأصل إجلال لله -عز وجل-؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌مِنْ ‌إِجْلَالِ ‌اللَّهِ ‌إِكْرَامَ ‌ذِي ‌الشَّيْبَةِ ‌الْمُسْلِمِ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). وفي رواية عن ابن عمر موقوفًا: "إن مِن أعظم إجلال الله -عز وجل-: إكرامَ الإمام المقسط، وذي الشيبة في الإسلام".

2- التواضع له:

- أن نبدأه بكل عمل وخير، دون انتظار فعله منه، ولو بلغت مكانة الأصغر ما بلغت: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكعبة يوم الفتح وجلس في المسجد والناس حوله، ذهب أبو بكر -رضي الله عنه- وجاء بأبيه عثمان -ويكنى بأبي قحافة- يقوده وقد كف بصره، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: (هَلَّا ‌تَرَكْتَ ‌الشَّيْخَ ‌فِي ‌بَيْتِهِ ‌حَتَّى ‌أَكُونَ ‌أَنَا ‌آتِيهِ فِيهِ؟)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِي إِلَيْهِ قَالَ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ) فَأَسْلَمَ (رواه أحمد، وحسنه الألباني). وهنَّأ النبي أبا بكر بإسلامه فقال أبو بكر: والذي بعثك بالحق، لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه. (رواه البزار مسنده وابن عساكر في تاريخ دمشق، والطبراني في الكبير، وابن أبي الدنيا في منازل الأشراف).

3- إحسان خطابه:

- أن نناديه بألطف خطاب، وأجمل كلام، وألين بيان، نراعي فيه احترامه وتوقيره، وقدره ومكانته، بأن نخاطبه بـ"العم"، و"الحاج"، و"الوالد"، وغيرها من الخطابات التي تدل على قدره ومنزلته في المجتمع بكبر سنه؛ فعن أنس -رضي الله عنه-: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (‌يَا ‌خَالُ، ‌قُلْ: ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌اللهُ)، فَقَالَ: أَوَخَالٌ أَنَا أَوْ عَمٌّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا، بَلْ خَالٌ) فَقَالَ لَهُ: (قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، قَالَ: هُوَ خَيْرٌ لِي؟ قَالَ: (نَعَمْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)(1).

4- تقديمه في الكلام والمكان ونحوه:

- أن نقدمه في الكلام والمكان في المجالس، ونقدمه في الطعام والشراب والدخول والخروج: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: جاء شيخ يريد النبي -صلى الله عليه وسلم-: فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ ‌مِنَّا ‌مَنْ ‌لمْ ‌يُجِلَّ ‌كَبِيرَنَا ‌وَيَرْحَمْ ‌صَغِيرَنَا ‌وَيَعْرِفْ ‌لِعَالِمِنَا ‌حَقَّهُ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، وعن ابن عمرَ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا ‌فَقِيلَ ‌لِي: ‌كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ) (رواه مسلم).

5- الدعاء له:

- ندعو له في حضوره وغيبته بطول العمر، والازدياد في طاعة الله، والتوفيق بالسداد والصلاح، والحِفظ من كل مكروه، والتمتع بالصحة والعافية، وبحُسن الخاتمة، ونحوه: قال -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: 24).

(3) التحذير من الإساءة إلى كبار السن:

- ولكن من المؤسف والمحزن والمؤلم، أن تجد الأمر من بعض الناس الذين يتعاملون معهم على عكس ذلك، فلا يكون منهم إلى كبار السن إلا الإساءة وسوء الأدب، والتي تتمثل في صور لا نستطيع أن نحصيها(2)، وهذه الصور لا تصدر إلا من جاهل قاسى القلب، لا يعرف حقهم، ويجهل أو يتجاهل أمر الله ورسوله تجاههم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ ‌مِنَّا ‌مَنْ ‌لمْ ‌يُجِلَّ ‌كَبِيرَنَا ‌وَيَرْحَمْ ‌صَغِيرَنَا ‌وَيَعْرِفْ ‌لِعَالِمِنَا ‌حَقَّهُ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).  

- الإساءة إلى الكبير دَيْن لا بد أن يرد، وإثم يحاسب عليه يوم المرد: قال -تعالى-: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى) (الروم: 10). وروي: "مَن أهان ذا شيبة لم يمُتْ حتى يبعث الله عليه مَن يهين شيبه إذا شاب". 

خاتمة:

- إلى كبارنا وآبائنا: يا كبار السن.. أبشروا وأملوا الجزاء الأوفر عند الله ببركة أعماركم في طاعة ربكم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَيْسَ ‌أَحَدٌ ‌أَفْضَلَ ‌عِنْدَ ‌اللهِ ‌مِنْ ‌مُؤْمِنٍ ‌يُعَمَّرُ ‌فِي ‌الْإِسْلامِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال: (خَيْرُ ‌النَّاسِ ‌مَنْ ‌طالَ ‌عُمُرُهُ ‌وحَسُنَ ‌عَمَلُهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- يا كبير السن أبشر.. ويا عجوز الإسلام أبشري، فليس في الجنة ضعف ولا شيخوخة: مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: بعجوز فقالت: يا رسول الله، ادعوا الله أن يدخلني الجنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أمَّ فلانٍ إِنَّ الجنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ فبكت، فقال: (إنَّ العجوزَ لَنْ تدخُلَ الجنَّةَ عجوزًا بل يُنشِئُها اللهُ خلقًا آخرَ فتدخلُها شابَّةً بكرًا)، وتلا قول الله -تعالى-: (‌إِنَّا ‌أَنْشَأْنَاهُنَّ ‌إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا) (الواقعة: 35-37).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من صور الإساءة في هذا: بعض المسئولين أو الموظفين، ينادي أو يخاطب الكبير المسن باسمه.

(2) أولًا: الجانب المجتمعي:

- وجود كبار السن في طوابير الانتظار بكل ألوانها (المصالح الحكومية - أماكن الخدمات اليومية - سوء معاملة بعض الموظفين لهم في المصالح وأماكن الخدمات -...).

- تجاهلهم في وسائل المواصلات وأماكن الانتظار؛ كالعيادات، والمستشفيات.

- مشاهد قلة المروءة في الطرق العامة تجاههم (تعسر مروره للطريق - ظهور علامات الإعياء على بعضهم والناس يمرون من حولهم دون أدنى مبالاة - تعطل سيارة المسن مع محاولاته ومعانته وعدم المبالاة من المارة).

ثانيًا: الجانب الأسري:

- تسفيه آرائهم بين أفراد الأسرة.

- السماح بتطاول الأطفال عليهم.

- السخرية منهم، وتصويرهم بأنهم لا يشغلهم إلا الأمور التافهة (فيديو على النت في حصر انشغالهم بإطفاء الأنوار، وإغلاق الحنفيات..)، وغيرها بما لا يحصى! والتي تدل على جهل عظيم بدين الله، الذي عظَّم من قدر الكبير.