الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 17 صفر 1446هـ

خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها (5)

كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تبيَّن لنا من النقول التي تم إيرادها في المقالات السابقة حول آيات الصفات: أن الظنَّ بأن آيات الصفات توجِب التجسيم والتشبيه، وَهْمٌ حادِث في عقول المتكلمة فحسب، وأن رميهم لأهل السنة بالتجسيم والتشبيه محض تشغيب؛ للتغطية على حقائق الأمور، بل هؤلاء المؤولة للصفات يثبتون لله ما يوهم ظاهره -بزعمهم!- التجسيم والتشبيه؛ كإثبات الذات لله -عز وجل-، لكنهم يقولون: ذاته لا يشبهها شيء، وكذلك نقول لهم: نثبت الصفات لله، وصفاته لا يشبهها شيء، والله المستعان على ما تصفون.

أمّا قول السنوسي -الأشعري-: "أصول الكفر ستة... والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية!"، وتبعه الصاوي في تعليقه على الجلالين فقال: "‌الأخذ ‌بظواهر ‌الكتاب ‌والسنة ‌من ‌أصول ‌الكفر!"؛ فقد جاءا شيئًا إدًّا، تكاد السماوات تتفطرن منه! فهل كتاب الله الذي وصفه الله بالنور والروح، وجعله هداية ورحمة وشفاءً، يكون فيه ما يوهم ظاهره الكفر؟! تعالى الله وكلامه عن ذلك علوًّا كبيرًا.

إنها دعوة صريحة لصدِّ الناس عن الكتاب والسنة،‌‌ وقد عقَّب الشنقيطي على هذا الكلام فقال في "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن": "وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ، وَلَوْ تَصَوَّرُوا مَعَانِيَ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقُولُوا مَا قَالُوا... وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ عَالِمٌ، وَلَا مُتَعَلِّمٌ؛ لِأَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هِيَ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ لِيُسْتَضَاءَ بِهِ فِي أَرْضِهِ وَتُقَامَ بِهِ حُدُودُهُ، وَتُنَفَّذَ بِهِ أَوَامِرُهُ، وَيُنْصَفَ بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي أَرْضِهِ... وَالْغَالِبُ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ هُوَ كَوْنُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ.

وَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ صَارِفٌ عَنْهُ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْأُصُولِ، فَتَنْفِيرُ النَّاسِ وَإِبْعَادُهَا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؛ بِدَعْوَى أَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِهِمَا مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ هُوَ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ كَمَا تَرَى... فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وُجُوبُ التَّبَاعُدِ مِنَ الْأَخْذِ بِظَوَاهِرَ الْوَحْيِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى.

وَبِمَا ذَكَرْنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّلَالِ ادِّعَاءَ أَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ قَبِيحَةٍ، لَيْسَتْ بِلَائِقَةٍ... وَسَبَبُ تِلْكَ الدَّعْوَى الشَّنِيعَةِ عَلَى ظَوَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، هُوَ عَدَمُ مَعْرِفَةِ مُدَّعِيهَا، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ الْعُظْمَى، وَالطَّامَّةِ الْكُبْرَى؛ زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ فَهْمٌ، أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا غَيْرُ لَائِقَةٍ بِاللَّهِ، لِأَنَّ ظَوَاهِرَهَا الْمُتَبَادِرَةَ مِنْهَا هُوَ تَشْبِيهُ صِفَاتِ اللَّهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ... وَهَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ مَنْ أَعْظَمِ الِافْتِرَاءِ عَلَى آيَاتِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.