كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ومن سرعة حسابه -عز وجل- للظالمين؛ الذين ظلموا وأشركوا، وأفسدوا في الأرض: أن يضعَ لهم البغضاء في الأرض، وأن ينزع من قلوبهم الرحمةَ، وأن يجعل قلوبَهم قاسية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ) (رواه مسلم)، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا) (رواه مسلم).
أتظنون أن قاسيَ القلب الذي يعذب الناسَ ويظلمهم يؤلم الناسَ أكثر مما يتألم هو؟!
لا والله! بل إن ألمه أشدُّ! يكفي أن السماء تبغضه، وأهل السماء يبغضونه والأرض تبغضه، وأهلَ الأرض يبغضونه، ومَن حوله مِن أهل الأرض جميعًا يلعنونه، والدواب تلعنه، حتى النملة في جحرها تلعنه، والجعلان، وما تبكي عليه السماوات والأرض حين موته، كما قال الله -تعالى-: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:29)، بل نفوسهم تبغضهم، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ) (غافر:10).
تأمل في (إِذْ)؛ أي: حين، فإنما أبغضتهم أنفسهم من حين دُعوا إلى الإيمان فكفروا (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ) ليس فقط تبغضهم نفوسُهم في الآخرة حين يرون العذابَ، وحين يرون ما قدَّموا لأنفسهم من هلاكٍ أبدي، وعذاب سرمدي، إنما تبغضهم أنفسُهم حين دُعوا إلى الإيمان فكفروا، ومقتُ الله -عز وجل- أشد من ذلك، وإن كان الناس قد لا يعرفون ما سبب هذه البغضاءِ، وما سبب هذه القسوة، ولكن إذا أردتَ أن تعلم أن قسوة القلب عقوبةٌ للعبد يتألم بها أكثرَ من ألم المُعذَّب المُتألم؛ فتدبر قول الله -تعالى- عن اليهود الملاعين: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ) (المائدة:13).
فالله -عز وجل- بيَّن أنه لعنهم؛ أي: أبعدهم، والبعدُ عن الله -عز وجل- سببُ كل ألم، وسببٌ كل شقاءٍ وتعاسةٍ.
فإذا تعجبت كيف تصل القلوبُ إلى هذه الدرجة من القسوة؟! فاعلم أن ذلك بسبب لعن الله -تعالى-، وبغضه ومقته -تعالى- لهذا العبد، وإلا فالراحمون يرحمهم الرحمن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
ولو قدِّر لك أن ترى حياة الظالمين من داخلها وممن يعاملونهم من المقربين منهم من: خدامهم وأعوانهم، وجنودهم؛ لرأيت عجبًا من الشقاءِ المحيط بهم من كل جانب، ولو رأيتهم مع أهليهم وأولادهم وأزواجهم؛ لوجدتَّ من ذلك عجبًا؛ ولذا تجدهم يحاولون الهروب دائمًا بالمسكراتِ، والمخدراتِ والخمر، وأنواع اللذات التي يريدون أن يغيبوا بها عن الوعي؛ لكي لا يدركوا قدرَ الألم الذي هم فيه؛ بسبب بغض الله -عز وجل- لهم، وهذا من سرعة حسابه -عز وجل-.
ومن سرعة حسابه -سبحانه وتعالى- للمؤمنين: ما يقبضونه من الثمن العاجل -فضلاً عن الآجل- من الحبِّ الذي يجدونه ممن حولهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ) (متفق عليه)، فتجده يشعر بالأنس بينه وبين الأرض، وبينه وبين السماء، وبينه وبين الكائنات المختلفة.
ما ظنك بعبدٍ يعلم أن الملائكة تستغفر له، وأن حملةّ العرشِ مع تسبيحهم يدعون له ويستغفرون له؟! قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7-9).
فانظر وتأمل في حال المؤمن: كم يجد من أثر استغفار الملائكة، ومن أثر دعائهم، وكم يجد ألفة وسكينة بينه وبين كل الكائنات، حتى الجمادات؟! قال الله -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء:44).
فهو يستشعر أن الله -عز وجل- يسبح له من في السماوات ومن في الأرض، وأن الله -عز وجل- هو العزيزُ الحكيم؛ فعند ذلك يشعر بأنه ليس غريبًا في هذا الكون، بل مع كَوْنٍ أليفٍ حبيب إليه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السماوات وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وأعظمُ من ذلك: أنه يعلم ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري)؛ فهو يشعر أن الله -عز وجل- يكره مساءتَه، ويعلم ذلك ويوقن به؛ لأن المؤمن يكره الموتَ، فكيف بكراهية المؤمن لأشياء أشدَّ من الموت: كالفتنة في الدين، ومخالفة ربِّ العالمين، وظلم الظالمين؟! فالله -عز وجل- يكره هذا أعظم كراهية، ويكره أن يسوءَ المؤمن.
ولولا أن الله -عز وجل- جعل في هذه المساءات من الخيرات ما فيها لما قدَّرها -عز وجل-.
ولولا أن الله -عز وجل- جعلَ مِن سعادة المؤمنين ما يصيبهم مِن المساءات المكروهة؛ لعصمهم الله -تعالى- من كل ما يسوؤهم.
ولولا أن المؤمنَ لا يَقْدُمُ على الله -تعالى- إلا بالموت؛ لما قبضه الله -عز وجل-، لكنه يحبه -عز وجل- فيدنيه ويقربه ويعدُّ له من أنواعِ الخيرات ما لا يعلمه إلا هو -عز وجل-؛ لأجل ذلك لا بد له من الموت؛ فضلًا عما ينال المؤمن من إجابة لدعائه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول هذا الحديث: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري)، وكلُّ واحدةٍ من هذه تدل على سرعة حسابه -عز وجل-، فالله -عز وجل- يعطي المؤمنين عاجلاً، فضلًا عما يدخره آجلًا.
ويكفي من ذلك معيته -عز وجل-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا)، فهذه معيةُ الحبِّ والتقريب والتكريم؛ حتى يوفقَ العبد في سمعه وبصره، ويده ورجله ما لا يقدر عليه غيره من الناس، فيوفقه الله -تعالى- لاستعمال هذه الجوارحِ في عبوديته، والتي تجلب له كلَّ أنواع السعادة، وبها يزول كل شقاء وألم.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-: أنه إذا أخذ الظالمين لم يفلتهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (رواه البخاري ومسلم).
تأمل كيف أهلك الله قومَ نوحٍ -عليه السلام- في أيام معدودات! بعد تسعمائة وخمسين عامًا من الطغيان والجبروت والعدوان على المؤمنين، والاستهزاء بنبي الله نوح -عليه السلام-؛ إذا بالتنور يفور، وإذا بالسماء تمطر، وإذا بالأرض تفور بالماء، وإذا بالموج يكون كالجبال، وإذا بالكفرة الظلمة ينتهون في لحظات، وإن كانت هذه اللحظاتُ تَبقى آلامًا مستمرة عليهم أبد الآبدين؛ كما قال الله -تعالى-: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) (نوح:25)، وقال الله -تعالى-: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر:11-12)، ثم بعد ذلك: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44).
سبحان الله! بقي نوح -عليه السلام- يدعو إلى الله -تعالى- ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا، وهم يصدون عن سبيل الله -عز وجل-، ويكفرون به طوال هذه المدة، ثم في أيام معدودة تغيَّر الأمرُ.
وتأمل كيف أهلكَ الله -تعالى- قوم ثمود بصيحةٍ واحدةٍ! بعد طول مُلكٍ، وسلطانٍ، بعد ما كانوا ينحتون من الجبال قصورًا، ويبنون في الأودية والسهول، ولكن في لحظة ينتهي كل شيء، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:17).
وتأمل فيما أصاب قوم عاد.. وكيف سلَّط الله -عز وجل- عليهم الريح الباردة في سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ . فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (الحاقة:6-8).
وتأمل فيما أصاب قوم لوط.. في صبيحةِ يوم عذابِهم أخذتهم الصيحةُ، وجعلَ الله -تعالى- عاليها سافلَها، كما قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)؛ أي: مُعَدَّةٌ، وما زالت موجودة (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود:82، 83).
سبحانَ الله وبحمده إذا نفذ الأمرُ؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ . وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:50، 51).
وتأمل المدة التي ظلمَ فيها فرعون وتجبَّر، وقتلَ من قتل من الرجال، والنساء، والأطفال، وبقي الفراعنةُ ينحتون انتصاراتهم على المخالفين لهم على جدران معابدهم الزائفة، وما زالت تشهدُ على ظلمهم وجورهم، وتقطيعهم للأعضاء وتمزيقهم للأجسام، وظلَّ فرعونُ يظلم ويتجبر على لحظاته الأخيرة، حتى قبل الوفاة يقول كما حكى الله -عز وجل- عنه: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) (الشعراء:54-56).
ويدخلُ البحرَ بغروره وطغيانه، وفي لحظة تأتي سرعة الحساب من سريع الحساب -عز وجل-: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس:90-92).
فلنوقن إذًا أن الله -تعالى- سريعُ الحساب يغيِّر موازين الأرض في لحظات، ويمكِّن لعباده المؤمنين، ويفتح لهم من أنواع الخير ما يثبِّت به أفئدتهم، وما يقوي قلوبهم؛ فلا نستعجل: (خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء:37).