الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 17 صفر 1446هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (10)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني:

الشبهة الثانية:

استدلال المخالفين بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌حِلْفَ ‌فِي ‌الإسلام) (رواه مسلم)، وقالوا: لا يجوز الانتماء لأي كيانات أو جماعات في الإسلام؛ لأن الحديث ينهى عن أي حلف.

ولبيان الرد على هذه الشبهة نقول:

يجب أولًا توضيح الحلف المقصود في الحديث؟

فالمراد بالحلف في الحديث: هو ما كان يتحالف عليه أهل الجاهلية من إيصال الحقوق لأصحابها، حيث كان المتحالفون في الجاهلية تجمعهم الأخوة في الحلف، ويترتب على ذلك الحلف بعض الحقوق: كالميراث والقرابة، والزواج، وبعض الالتزامات مما اختصتها شريعة الإسلام بأحوال خاصة بالقربى والنسب، كما جاء بيان ذلك في شروحات الحديث المختلفة:

فقد جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرح الحديث: "والمعنى أنهم لا يتعاهدون في الإسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية"، وقال أيضا -رحمه الله-: "وقد جاء الإسلام فمنع الميراث ولم يُبقِ إلا النصر والرفادة والنصيحة والوصية بعد الميراث كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-" (فتح الباري).

ويدل على ذلك: ما رواه الشيخان عن عاصم بن سليمان الأحول قال: قُلْتُ لِأَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (‌لَا ‌حِلْفَ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ)؟ فَقَالَ: "قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي" (متفق عليه).

فقد فهم عاصم -رحمه الله- أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌حِلْفَ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ) بمعنى: أن كل حلف في الإسلام منهي عنه؛ فصحح له أنس بن مالك -رضي الله عنه- فهم القضية قائلًا: "قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي".

وعلى هذا؛ فالنهي عن الحلف لم يكن من أجل أنه حلف؛ بل من أجل المحرمات التي قد تنتج عن هذا الحلف، فإذا اجتُنبت هذه المحرمات رجع الحلف إلى الأصل وهو الجواز، والذي يدل عليه حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- حيث قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا ‌حِلْفَ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ، ‌وَأَيُّمَا ‌حِلْفٍ ‌كَانَ ‌فِي ‌الْجَاهِلِيَّةِ ‌لَمْ ‌يَزِدْهُ ‌الْإِسْلَامُ ‌إِلَّا ‌شِدَّةً) (رواه مسلم).

فهذا الحديث ورد فيه نفي الحلف وإثباته، والجمع بينهما كما قال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان ذلك: "والمنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم، والمؤاخاة في الله -تعالى-؛ فهو أمر مرغَّب فيه". وقال أيضًا -رحمه الله-: "وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌حِلْفَ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ)، فالمراد به حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه. والله أعلم" (شرح مسلم للنووي).

وقال الإمام السيوطي في شرح الحديث: "لا حلف في الإسلام؛ أراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه" (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج).

وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الأدب في ذلك بابًا بعنوان: "الإخاء والحلف"؛ فهذا هو فهم الصحابة والسلف للحديث؛ فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة من فهم الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم لهذه النصوص؟!

وللحديث بقية -إن شاء الله-.