الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 02 يوليه 2024 - 26 ذو الحجة 1445هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (5)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ثانيًا: لماذا يجب علينا أن نعمل عملًا إصلاحيًّا مؤسسيًّا جماعيًّا؟

فلا شك أنه طبقًا لما ذكر -في المقالات السابقة- من آفات ومخاطر للعمل الإصلاحي الفردي، وكذلك العمل عبر المجموعات الوسيطة، فإن العمل الإصلاحي المؤسسي التعاوني عبر كيان يأخذ أهمية قصوى في خضم تلك الظروف والأحوال الإسلامية العالمية، وذلك لأسباب عقلية ظاهرة وشرعية موجبة:

أولًا: من الأسباب الشرعية:

1- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد وجَّه الله -تعالى- عباده المؤمنين في كتابه لذلك في غير موضع، ومن ذلك قوله -تعالى-: (‌وَتَعَاوَنُوا ‌عَلَى ‌الْبِرِّ ‌وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).

قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: ليعن بعضكم بعضًا على البر، وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين" (تفسير السعدي).

والعمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي هو في حقيقته نوع من أنواع التعاون على البر والتقوى.

وقوله -تعالى- أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ‌وَافْعَلُوا ‌الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77)، والخطاب هنا للأمة وعموم المسلمين -وهو واجب شرعي- ليس مُعلقًا على الإمام كشخص، وإنما كنائب عن الأمة؛ لأن الإمامة شُرعت لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، فإذا كثرت فروض الكفايات أو غابت، فالناس يجب عليهم أن يقوموا بها، والواجبات لا تُقام إلا بالتعاون ولا يتم التعاون والاجتماع إلا بقيادة وترتيب وجماعية، وهذا ما نسميه: العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي.

ونحن بلا شك لا ننكر إمكانية القيام ببعض هذه الصور بدون مؤسسية أو ترتيب جماعي: كتغسيل ميت وتكفينه، ولكن هل يتصور إقامة الفروض والواجبات الكفائية الكبرى -كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس، ومدافعة أهل البدع والضلال، إلخ- بدون ذلك؟!

وقد حث الله -عز وجل- المسلمين بالعمل ضمن طائفة متعاونة تعمل على نشر الخير وتحقيق المعروف، وتنهى عن المنكر كما في قوله -تعالى-: (وَلْتَكُنْ ‌مِنْكُمْ ‌أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).

قال الآلوسي في تفسيره: "والأمة: الجماعة والطائفة".

وقال الطبري في تفسيره: "يعني بذلك جل ثناؤه: (وَلْتَكُنْ ‌مِنْكُمْ) أيها المؤمنون (‌أُمَّةٌ) يقول: جماعة".

وقال السعدي في تفسير هذه الآية: "وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه... كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله: (وَلْتَكُنْ ‌مِنْكُمْ ‌أُمَّةٌ) أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في تحقيق فروض الكفايات، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، فكل ما يتوقف تحقيق فروض الكفايات عليه فهو مأمور به" (انتهى).

ولا شك أن هذه الأمور لا توجد في الأمة بين يوم وليلة، بل هي من أشق الأمور التي لا بد من السير على مبادئها للوصول إلى غاياتها.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.