كتبه/ وائل عبد القادر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن أصول عقيدة المسلم أنه لا يقع في ملك الله -تعالى- شيء عبثًا ولا سدًى، ولا ضرب عشواء، فالله -تعالى- يحكم ما يشاء (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود: 56)، أي: تجري أحكامه وأفعاله على مقتضى الحكمة البالغة، والعدل والرحمة، والمصلحة.
ولا يخرج شيء في الكون عن هذه السنة الإلهية، ومن ذلك ما يدور الآن من الأحداث والصراع بين الحق وأهله من جانبٍ، وبين الباطل وأهله من جانبٍ آخر، فتكالب الأعداء بكلِّ دولهم وأممهم الكافرة على ثلة مستضعفة من أهل الإسلام في فلسطين من ورائه الحِكَم البالغات التي نذكر منها طرفًا:
1- ظهور أنواع من العبودية يحبها الله ويرضاها من هؤلاء القلة المستضعفة ما كانت لتخرج في أوقات الأمن والعافية: كعبادة الجهاد ومكابدة العدو، والصبر على أذاه، ومدافعته بقدر الطاقة والوسع، ودعاء المضطر، والتوكل والرجاء، وحسن الظن فيما عند الله رغم شدة الكرب، (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22)، فيكتب الله -تعالى- لأهل هذه العبادات زيادة الإيمان والأجر العظيم، والدرجة العالية، فالله -تعالى- يحب ذلك يحب أن يتخذ من عباده شهداء، قال -تعالى-: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 140)، فتظهر محبته -تعالى- للشهداء وبغضه للظالمين، ومعلوم ما أعده الله -تعالى- للشهداء من أنواع الكرامات في الآخرة.
2- تمايز الصفوف وابتلاء العباد، فيميز الله الخبيث من الطيب: قال الله -تعالى-: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران: 141)، وقال: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 3)، وقال: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) (محمد: 4).
فالأحداث الجارية حقًّا فعلت ذلك، فميَّزت الخبيث من الطيب، وأظهرت عقيدة الولاء والبراء في قلب كل أحدٍ واضحة جلية، وقسَّمت الناس بين مسلم وكافر ومنافق، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (الأنفال: 42).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.