كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمِن الأمثال العظيمة التي ضربها الله -تعالى- في القرآن، والذي تكلمنا عنه في المقال الماضي؛ هذا المثل الذي ضربه الله مثالًا لنوره وهداه في قلب عبده المؤمن، وهو قوله -عز وجل-: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35).
التفسير الإجمالي للآية الكريمة:
قال ابن كثير- رحمه الله-: "مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى، وما تلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال -تعالى-: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ...) (هود: 17)، فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه، بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف".
من هدايات الآية الكريمة:
- كل هداية وخير ونور مصدره الله -تعالى-، فلولاه ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فمن ثم وجب على العبد أن يعتصم بربه -تعالى- يستهديه، ويستغفره، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا استفتح صلاة الليل قال: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ...) (متفق عليه)، والقول في الحديث كالقول في الآية الكريمة، أما أن اسمه -عز وجل- النور، وصفته النور، فمن أدلة أخرى: كقوله -تعالى-: (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (الزمر:??)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) (رواه مسلم).
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "السبحات بضم السين والباء ورفع التاء في آخره وهي جمع سبحة. قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين: معنى (سبحات وجهه) نوره وجلاله وبهاؤه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره؛ كيف لا يكون هو نورًا؟!".
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته، كان دينه نورًا ورسوله نورًا، وداره نورًا يتلالأ، والنور يتوقَّد في قلوب عباده المؤمنين ويجري على ألسنتهم ويظهر على وجوههم".
وقال في النونية:
وَالنُّورُ مِنْ أسْـمائِهِ أيْـضًا وَمِـنْ أَوْصـَافِهِ سُـبْحَانَ ذِي الـبـُرْهَانِ
وحِجَابه نورٌ فلو كشفَ الحِجابَ لَأَحْــرقَ الـسـُّبـحـاتُ لـلأكــوانِ
وإِذا أَتى للفـصـلِ يُـشـرقُ نُـورهُ في الأرضِ يــومَ قِيامةِ الأَبدانِ
أما النور الذي في السماوات والأرض؛ فهو نور مخلوق لله -تعالى-، والحمد لله على نعمه.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.