كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الأمثال القرآنية لها شأن عظيم، قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: 43)؛ إذ غالبها في أصول الدين التي يجب على المؤمن اعتقادها، كقوله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 41)، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 73-74).
- وهذه الأمثال يضربها الله -تعالى-، كنوعٍ من تصريف الخطاب للناس، وتقريب المعاني المعقولة في صورة محسوسة ليعقلوها، ثم يعملوا بها.
- ومن الأمثال العظيمة التي ضربها الله -تعالى- في القرآن مثالًا لنوره وهداه في قلب عبده المؤمن، قوله -عز وجل-: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35).
ولتوضيح هذا المثل (التشبيه)؛ فلا بد من توضيح مفرداته كما جاء عن السلف، ثم تبيين أركانه.
تفسير المفردات:
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): جاء عن السلف ثلاثة أقوال:
1- هادي أهل السماوات والأرض؛ قاله: ابن عباس وأنس -رضي الله عنهما.
2- منور السماوات والأَرْض، وذَكَرُوا فِيه ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُنَوِّرُ السَّمَاءِ بِالْمَلَائِكَة، وَالْأَرْضِ بِالْأَنْبِيَاءِ. وَالثَّانِي: مُنَوِّرُهَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَزَيَّنَ الْأَرْضَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ.
3- يدبر الأمر فيهما ، نجومهما وشمسهما وقمرهما؛ قاله ابن عباس و مجاهد.
- والمَثَل: الصفة العجيبة العظيمة.
- والمشكاة: الكَوة -بفتح الكاف-، وبضمها أيضًا لغة بني أسد، وهي تجويف في الحائط ليس له منفذ، يوضع فيه المصباح وغيره.
- والمصباح: السراج الضخم الثاقب، وهو الذبالة -الفتيلة الضخمة المتقدة- على وزن مِفعال، اسم آلة.
- الزجاجة: واحدة الزجاج، على وزن فُعالة، وهي: شفافة، صافية، مزهرة، صلبة.
- دري: اسم منسوب إلى الدر، على وزن فُعلي، وهو جوهر معروف بضيائه ولمعانه، أي: مضيء متلالئ صافٍ.
- يوقد من شجرة مباركة: أي: من زيت شجرة مباركة، حُذف المضاف بدليل: "يكاد زيتها يضيء".
- زيتونة: بدل أو عطف بيان.
- لا شرقية ولا غربية؛ أي: في مكان وسط من الأرض، تشرق عليه الشمس من جميع الجوانب طيلة النهار، فيكون زيتها في غاية الصفاء والإشراق، وسرعة الاشتعال، وهذا أفخر أنواع الزيتون.
- "يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار": أي: قبل أن تصيبه النار؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ إِذَا كَانَ خَالِصًا صَافِيًا ثُمَّ رُؤِيَ مِنْ بَعِيدٍ يُرَى كَأَنَّ لَهُ شُعَاعًا، فَإِذَا مسَّه النار ازداد ضوءًا عَلَى ضَوْءٍ، وهذا مبالغة في حسنه وصفائه وجودته.
- نور على نور: أي: تضاعف النور، فنور الزجاجة مستمد من نور المصباح في إنارتها، إلى ضوء الزيت، واجتمعت جميعًا في المشكاة، فصارت كأنور ما يكون.
- ويضرب الله الأمثال للناس: أي: يُبَيِّن الأشباه تقريبًا إلى الأفهام.
- والله بكل شيء عليم: أي: هو أعلم -تعالى- بمن يستحق الهداية فيهديه.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.