كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالله -تعالى- منوِّر قلب عبده المؤمن بأنوار: نور الفطرة التي فطره عليها وهي الإسلام، ونور الهداية للإيمان والترقي فيه، ونور القرآن الذي آتاه إياه، وجعله في صدره، ونور العمل الصالح الذي يمد القلب بالنور.
- إذا عظُم نور المؤمن وفاض كان نورًا لغيره؛ لذلك لا يسعى بنور القرآن بين الناس إلا مَن استنار به، ثم لا يزال يرعاه، ويمده بأسباب زيادته في قلبه؛ ليستمر ولا ينقطع، كما أن هذا النور يمنعه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
قال العلامة السعدي في فتح الرحيم: "ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وانقادت الجوارح بالطاعة راغبة، وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (متفق عليه)، فأخبر أن وقوع هذه الكبائر لا يكون، ولا يقع مع وجود الإيمان ونوره" (انتهى).
- إذا علم العبد ذلك؛ فإنه يتعلَّق بربه، ويدعوه أن يجعل له نورًا، وأن يحذر من العُجب والغرور والكبر؛ فإنه بالله -تعالى-، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- تظهر الآية الكريمة أهمية القلب للمؤمن؛ قال ابن القيم رحمه الله-: "شبَّه قلبه بالزجاجة؛ لرقتها وصفائها وصلابتها، وكذلك قلب المؤمن فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة، فهو يرحم ويحسن، ويتحنن ويشفق على الخلق برقته. وبصفائه تتجلَّى فيه صور الحقائق والعلوم على ما هي عليه، ويباعد الكدر والدرن والوسخ بحسب ما فيه من الصفاء، وبصلابته يشتد في أمر الله -تعالى-، ويتصلب في ذات الله -تعالى-، ويغلظ على أعداء الله -تعالى-، ويقوم بالحق لله -تعالى-..." (التفسير القيم).
- والقلب هو آنية الله في أرضه، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ للهِ آنِيَةً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَآنِيَةُ رَبِّكُمْ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا) (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
- هذا الإناء فيه توحيد الله -تعالى-، ومحبته وتعظيمه، وخشيته ورجاؤه، والإخلاص له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والإخبات له، وغيرها من عبادات القلوب.
- فإذا قوي هذا الإيمان علمًا وعملًا، لزم ضرورةً صلاح الظاهر كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه)، وقال عمر -رضي الله عنه-: "مَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته". وما أجمل كلمة الحكيم الترمذي: "وتربية القلوب تؤدي إلى منازل القربة".
- وتربية الإيمان فيها حتى يكمل ويرسخ، يكون بتقوية محبة الله في القلب، بالأخذ بالأسباب العشرة التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله-: "قراءة القرآن بتدبر وتفهُّم، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ودوام ذكر الله -تعالى- على كل حال، وإيثار ما يحبه الله على ما يحبه العبد عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه وإن صعُب المرتقى، ومطالعة القلب لأسمائه وصفاته الحسنى، ومشاهدتها والتقلب في رياضها، ومشاهدة بره وإحسانه، ونعمه الظاهرة والباطنة، وانكسار القلب بين يديه بكليته، والخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، ومجالسة المحبين الصادقين، ومباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله -عز وجل-" (انتهى بتصرف من مدارج السالكين).
- وإذا كان القرآن نورًا عظيمًا، وحجة وهداية، وشفاء ورحمة للمؤمنين، فعلى المؤمن أن يهتم به، ويجعله أنيسه وجليسه ومنهله الذي ينهل منه العلم والهدى.
- وليعلم المؤمن أنه بقدر أخذه من القرآن تقوى حجته، ويعظم نوره، كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في خروجه إلى الصلاة، وفي صلاته وسجوده: (اللهمَّ اجعلْ في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعنْ يميني نورًا، وعنْ يساري نورًا، ومنْ فوقي نورًا، ومنْ تحتي نورًا، ومنْ أمامي نورًا، ومنْ خلفي نورًا، واجعلْ لي في نفسي نورًا، وأَعْظِمْ لي نورًا) (متفق عليه).
هذا والله -تعالى- أعلم بأسرار كتابه، وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.