الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 31 أكتوبر 2022 - 6 ربيع الثاني 1444هـ

حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر كأنك تراها (9)

(يوم الثالث عشر من رمضان اليوم الرابع من الحرب)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبعد مضي نصف قرن هجري من الزمان على حرب العاشر من رمضان 1393 إلى رمضان 1443 هـ - السادس من أكتوبر، رَحَل -أو يكاد- مَن حضروا هذه الحرب أو عاصروها؛ فلزم علينا أن نذكِّر الأجيال الجديدة بهذه الحرب المجيدة، وما قدَّم المصريون فيها مِن تضحياتٍ، وما بذلوه من جدٍّ واجتهاد في قوة تحمُّل وصبر، وإخلاص وصدق حقَّقوا به مجدًا كبيرًا في ظروف أسوأ وأصعب بكثيرٍ مِن الظروف التي نعاني منها حاليًا؛ إنها روح العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر التي نفتقدها الآن، ونحن أحوج ما نكون إليها.

يعد يوم الثلاثاء الثالث عشر من رمضان - التاسع من أكتوبر، وهو اليوم الرابع من الحرب، امتدادًا ليوم الاثنين الذي قبله؛ إذ واصلت القوات الإسرائيلية فيه مِن جديد هجماتها المضادة، ولكن في شراسة وقوة، وبأعداد كبيرة في محاولة قوية لاستعادة المواقع المهمة التي افتقدتها في اليومين الأوليين من الحرب، ولمحاولة منع تقدم القوات المصرية وإعادتها من حيث أتت إلى الضفة الغربية لقناة السويس، ومحاولة إقامة معبر على القناة للقوات الإسرائيلية تتسلل منه إلى الضفة الغربية للقناة والتسلل إلى أحد مدن القناة الإسماعيلية أو السويس واحتلاها، وبالتالي تغيير دفة الحرب وقلب موازينها لصالحها، ولكن كل الهجمات الإسرائيلية المضادة في هذا اليوم فشلت كمثيلتها السابقة فشلًا ذريعًا.

أما القوات المصرية: فقد واصلت في هذا اليوم التصدي لهجمات العدو المضادة بنجاح، وكبدته خسائر فادحة؛ سواء في الأفراد أو المدرعات والطائرات، وتمسكت في قوة وإصرار بكل ما حررته من الأرض وكل ما استولت عليه من المواقع، كما واصلت تقدمها في عمق سيناء لتحقيق الهدف الإستراتيجي للحرب، وهو: التقدم مسافة 10 - 12 كيلو متر داخل سيناء، وعلى طول الجبهة كلها؛ أي: لأكثر من 160 كيلومتر، وهي المسافة التي يمكن لحائط صواريخ الدفاع الجوي المصري أن يقوم بتغطية القوات البرية مع سلاح الطيران فيها، وعليه يتم بعدها إعادة تعبئة القوات المصرية وتوجيهها طبقًا لأعمال القتال وأحداث الحرب.

وفي ليلة 8 /9 أكتوبر قامت الأرتال الإدارية المصرية بحمل ونقل التعيينات والمياه والأمداد، وبخاصة ذخيرة الدبابات، وذخيرة الأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية بتعويض الذخيرة التي استهلكت القوات المصرية منها كميات كبيرة، أما ذخيرة الأسلحة العادية من البنادق والرشاشات فقد كان استهلاكها في المعركة محدودًا؛ إذ لم تقابل القوات المصرية العدو مترجلًا إلا نادرًا، وعندما تدمر عرباته المدرعة أو دباباته تدفقت حوالي ألف عربة لوري للجيش الثاني عبر القناة محملة بأكداس التشوينات ليتم تعويض ما استهلك، وقد عادت العربات الإدارية قبل الفجر محملة بالجرحى من قواتنا، وكذلك الجرحى والأسرى من قوات العدو.

فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد الجديد:

رغم مذبحة الدبابات الرهيبة والفشل المروع الذي وقع يوم الاثنين الثامن من أكتوبر للفرقة 162 مدرعة بقيادة الجنرال (إبراهام أدان)، وأسر العقيد (عساف ياجوري)؛ فقد أراد الجنرال (أريل شارون) قائد الفرقة 143 مدرعة أن يظهر في هذا اليوم التاسع من أكتوبر في صورة البطل المنقذ للقوات الإسرائيلية، وذلك بقيام فرقته المدرعة بشن هجمات مضادة على القوات المصرية، مركزًا على (الدفرسوار) حيث إن طبيعة الأرض فيها مرتفعة في الشرق وآخذة في الانخفاض تجاه الغرب؛ مما يساعد دباباته المهاجمة على الاندفاع بسرعة مع ميل الأرض تجاه الغرب، وكانت فرقة شارون تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة: (أمنون ريشيف)، و(توفيا رفيف)، و(حاييم أريز).

هاجم اللواء الذي يقوده (حاييم أريز) تبة الطاليا التي تمثِّل موقعًا إستراتيجيًّا استولى عليه لواء مشاة مصري يوم 8 أكتوبر، ولكن هجوم حاييم فشل، بينما قام شارون بأول هجوم بقواته مع أول ضوء للنهار في الساعة السادسة والنصف صباحًا، وفشل هذا الهجوم الأول، ثم عاود شارون الهجوم وتوالت هجماته في الساعة التاسعة والنصف، ثم الواحدة والنصف ظهرًا، ثم الرابعة والنصف، ثم السادسة والنصف، وهكذا حتى كان الهجوم الأخير في ليل اليوم في الثانية بعد منتصف الليل.

وكان بعض هذه الهجمات على محور واحد، وبعضها على محورين أو ثلاثة ، وفي كل هذه الهجمات لم تنجح قوات شارون في اختراق القوات المصرية؛ إلا في اتجاه واحد بقوة كتيبة مدرعة تقدمت حوالي 2 كيلو متر داخل المواقع المصرية التي سرعان ما أطبق عليها الحصار، وتم تدمير عدد من دباباتها بالصواريخ المضادة للدبابات وبقذائف الـ(آر بي جي)؛ مما أرغم باقي الدبابات على الفرار.

وكان واضحًا للعيان وبما لا يدع مجالًا للشك مدى تفوق المقاتل المصري، وعلو كفاءته، وقوة تمسكه بأرضه وهو يخوض معارك ضارية شرسة؛ هي أخطر وأكبر معارك الصحراء التي دارت على أرض سيناء حتى الآن، والتي فقد فيها العدو بقيادة شارون جزءًا كبيرًا من مدرعاته.

وقد تعرَّضت تبة الطاليا إلى تسع هجمات إسرائيلية مضادة لاستعادتها، كان أخرها: يوم 20 أكتوبر، بتشكيل من المدرعات والمشاة الميكانيكي، والقوات الخاصة بقيادة الجنرال (ليوئيل جوروديش) قائد اللواء 274، وقد فشلت كل هذه الهجمات كلها في زحزحة القوات المصرية من مواقعها، وإن تسببت في مقتل العميد شفيق متري قائد اللواء المشاة المصري الذي حرر التبة، وتولى القيادة من بعده اللواء العميد محمد على الكسار حتى نهاية أعمال القتال. 

معركة بحرية قبالة بورسعيد:

في البحر الأبيض المتوسط قبالة بورسعيد قام تشكيل بحري إسرائيلي بالتعاون مع طائرات الهليكوبتر بالدخول في حدود القوات المصرية البحرية، فتصدت له واشتبكت معه وحدات من البحرية المصرية في معركة بحرية كبيرة أسفرت عن إغراق خمس زوارق للعدو، وإصابة ثلاثة زوارق مصرية.

فشل جهود الطيران الإسرائيلي:

ركز الطيران الإسرائيلي هجماته الجوية وبلا توقف على تشكيلات القوات المصرية، وعلى رؤوس الجسور شرق القناة، وقد تمكنت طائرات العدو المغيرة من إصابة عدد من الجسور والمعابر فوق القناة، ولكن كان الثمن غاليًا وهو سقوط 16 طائرة إسرائيلية، وأسر أربعة من الطيارين الإسرائيليين هبطوا على الضفة الشرقية للقناة بعد تدمير طائراتهم، بينما تمكَّن المهندسون المصريون من إصلاح الجسور في وقت قصير.

وقد حاول الطيران الإسرائيلي في هذا اليوم قصف بعض المطارات المصرية الأمامية، منها: القطامية والمنصورة مرة أخرى، لكنه فشل في تحقيق أهدافه.

وقد قامت القوات الإسرائيلية أثناء الحرب بعمليات إعاقة إلكترونية وتشويش في مواجهة دفاعنا الجوي وحائط الصواريخ، ولكنها كانت محدودة الشدة، وتتم غالبًا من الطائرات المهاجمة، أو من تلك الحاملة لأجهزة الإعاقة الإلكترونية، ومع إبلاغ الوحدات عن وجود أهداف كاذبة ومع وجود اليقظة المطلوبة تم اكتشاف حيل العدو منذ البداية، لكن في يوم 9 أكتوبر زادت شدة الإعاقة الإلكترونية على كتائب الصواريخ على طول المواجهة مع تعدد اتجاهات مصادرها؛ مما جعل بعض هذه الكتائب غير قادرة على اكتشاف الطائرات المعادية، ووصلت المعلومات عن طريق وسائل استطلاع الجيوش الميدانية تؤكِّد قيام العدو بفتح محطات رادار جديدة في بالوظة والطاسة، وأم سمارا والجدي، واتضح من المراقبة: أن هذه المحطات الرادارية ما هي إلا محطات إعاقة جديدة، فكان العمل على إسكات عمل هذه المحطات بأساليب مختلفة فنية وتكتيكية، أو الاشتباك معها وتدميرها للتغلب على تلك الإعاقة الإلكترونية، وكان النجاح حليف قواتنا في ذلك؛ مما ألجأ العدو إلى اللجوء إلى حيلة جديدة بإلقاء العديد من الرقائق المعدنية أثناء هجوم الطائرات لتتقدم الطائرات الإسرائيلية تحت سترها من جهة، وليتم استنزاف صواريخ الدفاع الجوي المصري في ضرب تلك الأهداف غير الحقيقية من الرقائق المعدنية من جهة أخرى، ولكن قواتنا كانت من الذكاء بحيث لم تقع فريسة لهذا الفخ، وذلك من خلال تتبع حركة ومسار الأجسام من الرقائق المعدنية والطائرات في الهواء رأسيًّا وأفقيًّا قبل إطلاق الصواريخ عليها.

ومع كثرة قيام العدو بعمليات الاستطلاع الجوي يومي: 8 و9 أكتوبر، والتصوير الجوي للتعرف على أوضاع كتائب الصواريخ، كانت تتم عمليات مناورة إلى جانب التأمين الحصين؛ لتلافي الضربات الجوية للعدو.

ومع فداحة خسائر الطيران الإسرائيلي وتزايدها مع الوقت، لم يجد العدو من سبيل سوى عدم دخول مناطق حائط الصواريخ؛ مما أدَّى إلى ترك قواته البرية ومدرعاته بدون دعمٍ كافٍ لتقاتل في معارك تقوم على الارتداد التعطيلي مع بعض الهجمات المضادة المحدودة.

سقوط نقط جديدة للعدو: 

- في منطقة الدفرسوار على الطرف الشمالي للبحيرات المرة  دارت اشتباكات حول موقع إسرائيلي حصين بها، وهو عبارة عن نقطتين حصينتين بينهما مسافة حوالي 500 متر، ومنطقة الدفرسوار تلك هي المنطقة التي تم فيها إنشاء الجسر الرئيسي لثغرة العدو بعد ذلك بأيام، وقد هاجمت قواتنا المنطقة أول مرة يوم 8 أكتوبر ولم ينجح الهجوم، وتكرر هجوم قواتنا ليلة 8 / 9 أكتوبر وخلال يوم 9 أكتوبر بالكامل، وقد حاولت المدرعات الإسرائيلية في هجماتها المضادة المتتالية في هذا اليوم فك حصار هذا الموقع أو نجدته أو حتى إخلاء من فيه، ولكنها أخفقت في تحقيق ذلك، وسقطت نقطة الدفرسوار القوية في أيدي القوات المصرية بما فيها من أسلحة ومعدات، ووثائق، وقتلى وجرحى، وأفراد للعدو أحياء صاروا أسرى حرب.   

- وفي هذا اليوم سقط أيضًا موقع آخر من مواقع خط بارليف المحاصرة، وهو موقع نقطة الشط القوية، وهذا الموقع كان لا بد من إسقاطه لإيقاف نيرانه المؤثرة على قواتنا، وهو يتكون من ثلاثة طوابق: الطابق الأسفل مجهز بكل وسائل الإمداد والإعاشة والقتال، وبه ماكينة لتوليد الكهرباء، وأجهزة للتهوية، ويضم الطابق الأوسط أماكن إقامة الأفراد وإعاشتهم، وبه صالة عرض سينمائي وثلاجة، والطابق العلوي مخصص للمراقبة والقتال، ويضم الموقع 120 فردًا من أفراج العدو مزودين بالهاونات والمدافع المتوسطة، والعربات نصف مجنزرة، والدبابات السنتورين، وعربات نقل.

ومع كل هذا التحصين سقط الموقع في أقل من ساعة قتال، وقد تولى إسقاطه قوة من اللواء 5 مشاة، قادها الشهيد محمد أحمد زرد. وعند اقتحام الموقع أطلق أفراد العدو نيران مدفع رشاش من فتحة المزغل المواجهة لقواتنا المقتحمة، وانطلق واحدًا من مقاتلينا الأربعة الذين يقتحمون الموقع ليلقي بجسده فوق فوهة المزغل كي يحول بين رصاص المدفع الرشاش وباقي زملائه الذين قذفوا قنابلهم اليدوية الي داخل الموقع.

- وفي هذا اليوم أيضًا قام العقيد إبراهيم عبد التواب قائد الكتيبة 603 مشاة ورجاله بالاستيلاء على نقطة (كبريت)، وقد هاجم العدو بعدها كبريت وفشل في استعادتها، فقام بحصارها حصارًا شديدًا استمر لمدة 134 يومًا، ولم تسقط كبريت، وقد صدر بيان عسكري مصري في نهاية يوم التاسع من أكتوبر جاء فيه أن خسائر العدو في هذا اليوم بلغت تدمير102 دبابة، وإسقاط 16 طائرة.

ومع إخفاق هجمات العدو في هذا اليوم، قام العدو في نهاية اليوم بإعادة تجميع المدرعات لتعويض خسائرها، ومع إحساس العدو بأن القوات المصرية تطور من هجومها بدأ العدو هندسيًّا في تجهيز خط دفاع جديد عند المضايق شرق القناة بمسافة 30 كيلو متر.

الارتباك ما زال يسود إسرائيل:

في إسرائيل في صباح التاسع من أكتوبر قابل ديان جولدا مائير، وعرض عليها الموقف، ووافقت جولدا على القيام بعدة تغييرات في قيادات العمليات في سيناء، فتم تعيين الجنرال (بارليف) -وهو صاحب خط بارليف المنهار- قائدًا للجبهة الجنوبية، مع تعيين جنرال (إبراهام مندلر) قائدًا لعمليات القطاع الجنوبي، والجنرال (شارون) قائدًا للقطاع الأوسط، والجنرال (أدن) قائدًا للقطاع الشمالي، وكان الغرض من تلك التغييرات هو حشد أكبر عدد ممكن من قادة الجيش الإسرائيلي المشهود لهم بالكفاءة العسكرية والتطرف إلى أقصى درجة.

وقد أثار ديان مع جولدا مائير موضوع طلب السلاح من أمريكا، وعرض عليها السفر إلى أمريكا لإجراء مباحثات سرية مع الرئيس الأمريكي نيكسون لشرح أبعاد الموقف حتى تتفهم أمريكا الوضع العسكري على حقيقته، وتقوم بإعطاء إسرائيل المزيد من الدعم والتأييد، مؤكدًا أنه ليس هناك مَن يستطيع أن يفعل ذلك إلا جولدا.

 وقد عقد وزير الدفاع الإسرائيلي موشى ديان مؤتمرًا صحفيًّا في مساء يوم التاسع من أكتوبر، لكن رأت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية وقتها ضرورة حظر نشره أو إذاعته؛ لئلا يؤثر حديثه على الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي، وعلى الشعب الإسرائيلي، وقد ذكر ديان في مذكراته التي نشرها بعد ذلك ما قاله في هذا المؤتمر الصحفي، وملخصه:

- إن الموقف على الجبهة المصرية صعب، وإن القوات الإسرائيلية لا تتوافر لديها الإمكانيات لرد المصريين إلى ما وراء قناة السويس، بينما لدي المصريين معدات متنوعة وفعالة، ودبابات ومدفعية وصواريخ.

- إنه رغم تفوق الطيران الإسرائيلي؛ إلا أن صواريخ الدفاع الجوي المصري تشكِّل صعوبة للطيران الإسرائيلي.         

- إن الجيش الإسرائيلي لم يعد أكثر قوة من المصريين.

 - إن هناك تفكير في الانسحاب إلى خطوط أقل تبعثرًا وأكثر أمنًا.

- إن مئات الدبابات دمرت، وفقدت 50 طائرة في ثلاثة أيام، والأمل في أن يرسل الأمريكان طائرات ودبابات لإسرائيل.

وقد سأل أحد الصحفيين ديان: هل الأمريكيون على علم بمجريات الأمور؟ فأجاب ديان: لست متأكدًا، ولكن سياستنا تقوم على إبلاغهم بأدق التفاصيل.

وفي نفس الليلة أدلى شارون بتصريح قال فيه: اعتقد أن حربنا قد أصابت الولايات المتحدة بشيء من خيبة الأمل؛ لأننا لم ندمرهم أو حتى نجبرهم على التراجع. 

وفي اجتماع مجلس الوزراء في نفس اليوم للاستماع إلى بيان عن الأوضاع العسكرية، أوضح ديان أن الحرب على الجبهة الجنوبية (الجبهة المصرية) قد تطول، وأن المصريين لديهم أسلحة كثيرة، وأن القوات الإسرائيلية تواجه مواقف صعبة.

وقد عرضت جولدا مائير على المجلس أن تسافر بنفسها إلى أمريكا لتعرض الموقف على الرئيس الأمريكي نيكسون حتى تضمن نجدة إسرائيل، وكانت المكالمات التليفونية من إسرائيل إلى وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر مستمرة؛ مما يضطره أحيانًا للاستيقاظ ليلًا للرد على هذه الاتصالات، وكلها كانت تدور حول المطالب الإسرائيلية لتعويض ما خسره الإسرائيليون في أيام الحرب الثلاثة السابقة.

الموقف الأمريكي:

كانت وزارة الدفاع الأمريكية ترى أنه لا وجه للسرعة في هذا الأمر، وأن إسرائيل لديها ترسانة عسكرية كبيرة، وفي المقابل: قام كيسنجر بجهود كبيرة للإقناع الرئيس الأمريكي نيكسون بحتمية عمل جسر جوي، وآخر بحري لإمداد إسرائيل بما تطلبه، وهو ما تم بالفعل بعد أيام قليلة؛ فتم أرسال طائرات، منها طائرات بطياريها! ودبابات، ومنها: دبابات بأطقمها! لتعويض إسرائيل عما فقدته في الحرب من سلاح وأفراد.

وكان كيسنجر قد صرَّح بعد علمه يوم 9 أكتوبر بفشل الهجوم الإسرائيلي المضاد بقوله: لقد حقق العرب نصرًا إستراتيجيًّا في الشرق الأوسط دون النظر إلى النتيجة النهائية للحرب، وأصبح هناك وضع جديد، ولن تعود العجلة إلى الوراء.

جنود أمريكان للدفاع عن إسرائيل:

جاء في مذكرات العميد (نتان نير) قائد اللواء الإسرائيلي مدرع 217، أنه أثناء المعارك جاءه أحد قادة الكتائب وأخبره أن واحدًا من أطقم دباباته التي وصلت حديثًا من أمريكا طلب منه الإذن بأخذ راحة 24 ساعة للبحث عن مخدرات لتدخينها، وأخبره أنه معتاد على تدخين (الماريجوانا) في أمريكا بشكل يومي.

أورد هذه القصة الكاتب الصحفي إسلام الشافعي في صفحة 120 من كتابه: (حرب الأيام الأربعة من داخل غرفة عمليات الجيش الإسرائيلي) الذي نشر فيه تسجيلات لبعض البلاغات العسكرية الإسرائيلية من غرفة العمليات، والتي احتفظ بها الجنرال (جونين) قائد الجبهة الجنوبية سرًّا إلى أن تم الإفراج عن نشر بعض الوثائق عن حرب أكتوبر 1973، بعد مرور 25 سنة على الحرب، ويضم الكتاب أيضًا بعض مقتطفات من مذكرات القادة الإسرائيليين والتي سجلها الكاتب إسلام الشافعي بحكم تخصصه في اللغة العبرية (راجع في ذلك مقال يوم 9 أكتوبر: "عرف شارون أن المصريين لحمهم مر"، للكاتب الراحل إبراهيم حجازي - جريدة الأهرام عدد الجمعة 13 نوفمبر 2020، ص 15).

موقف الاتحاد السوفيتي:

في الوقت الذي لم تتردد الولايات المتحدة في مساعدة إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية والنصائح العسكرية، بل ونجدة إسرائيل عن طريق تعويضها عن الأسلحة التي خسرتها في أيام الحرب؛ نجد أن الاتحاد السوفيتي كان حريصًا على ألا يتورط في هذه الحرب بصورةٍ مِن الصور:

- فقد كرر الاتحاد السوفيتي دعوته لوقف إطلاق النار على الجبهتين: المصرية والسورية، في الوقت الذي لم تكن مصر قد حققت بعد الهدف الإستراتيجي من دخول الحرب.

- وفي لقاء عاجل مع الرئيس السادات بناءً على طلب السفير السوفيتي، حمل السفير السوفيتي رسالة تتضمن دعوة مصر إلى الموافقة على مشروع لوقف إطلاق النار حيث إن مجلس الأمن بدأ في بحث مشروع قرار بهذا الشأن، وأن امتناع مصر عن تنفيذه سيؤدي إلى إصدار مجلس الأمن قرارات أكثر تشددًا، أما إذا اعترض الاتحاد السوفيتي على مشروع القرار باستخدام حق الفيتو فسوف يعيق التوصل إلى قرار مثله في المستقبل.

وقد رفض السادات مطلب الاتحاد السوفيتي يومها، وكان الاتجاه في أمريكا وقتها يميل أيضًا إلى التمهل في إصدار قرار إطلاق النار حيث إن وقف النار على الأوضاع القائمة وقتها، وفي ظل التفوق للقوات المصرية يعني في نظر أمريكا انتصار السلاح السوفيتي على السلاح الأمريكي في المعركة، وهو ما لا تقبله أمريكا.