الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 23 مارس 2022 - 20 شعبان 1443هـ

سمات المصلحين بين الناس

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن إصلاح ذات البين من أجلِّ الأعمال التي يُتَقرَّب بها إلى الله تعالى، فهو شعبة إيمانية، وشرعة إسلامية؛ تُستل بها الضغائن، وتصفو بها القلوب، وتخمد بها نيران الفتن، قال الله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون". 

وقد جاء الأمر على الوجوب بالسعي في صلاحها، ورتَبَ الشرعُ الإسلامي ثوابًا عظيمًا، لمَن اجتهد وسلك هذا الطريق، وذلك من قول الله عز وجل: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"، وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سلامى من الناس عليه صدقة؛ كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة" (متفق عليه).

فإذا قال أحدنا كلمة إيجابية ننقلها للآخرين، ونزيد عليها من الكلمات الطيبة والتذكير بالله، والرغبة فيما أعده للعافين عن الناس، على أن يكون ذلك على انفراد وبأسلوب طيب، وليس من المصلحة الجمع بين المتخاصمين إلا بعد أن نغرس مشاعر الخير في نفوس الجميع.

فينبغي على من يتصدر للإصلاح بين الناس أن يتحلَّى بهذه الصفات:                         

1- الإخلاص لله تعالى في كل أموره وأن يبتغي بسعيه وجه الله، قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"؛ لا يبتغي شهرة ولا رياسة، ولا أن يقال عنه: إنه مصلح وكبير يسمع له ويطاع؛ فكل هذا لا يفيده بشيءٍ، قال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا".

2- إرادة الإصلاح بين الطرفين المتخاصمين وحب الخير لهما: "إن يريدا إصلاحًا يوفِّق الله بينهما"، وأن يدعو الله أن يؤلِّف قلوب المتخاصمين؛ لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء.

3- إرادة إحقاق الحقّ وإقامة العدل على الناس أجمعين؛ كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، مؤمنهم وكافرهم، قال الله جل جلاله: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".

4- ألا يخالف قولُه فعلَه، ولا فعلُه قولَه: قال تعالى على لسان سيدنا شعيب: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"، أي: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعلُ خلافه، بل لا أفعل إلا ما آمركم به، وما أريد إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم، ما استطعت أي: ما قدرت على إصلاحه، وما توفيقي إلا بالله، أي: وما إصابتي الحق في محاولتي إلا بالله، فإنه هو المعين على ذلك.

5- أن يكون على علم بالشرع معظمًا للنصوص الشرعية، وأن يرجع إلى أهل العلم المتخصصين، إذا لم يكن عنده علم بالمسألة المطروحة، قال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وألا يحكم الرأي في الأمور الشرعية التي فيها نصوص من الكتاب والسنة، وأن يكون على علم بالواقع وأحوال المتخاصمين.

6- تذكير المتخاصمين بتقوى الله، وخلق العفو والصفح والمغفرة، وبأن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تألم لأجله سائر الأعضاء، قال تعالى: "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم"، وفي الحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (متفق عليه).

7- الاستماع الجيد لكلا الطرفين، والتزام الحيادية وعدم التعاطف مع طرفٍ؛ لكونه ألحن بحجته، فيميل إليه على حساب الطرف الآخر، والتحليل الجيد لملابسات الخلاف والوقوف على كل فعل وقول فيه، ثم التشاور مع أهل الحل والعقد والخير، والإصلاح معه في مجلس الصلح، فقد النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار" (متفق عليه).

8- أن يكون في مجلس الصلح في أكمل حالاته من الاستقرار النفسي، والهدوء الذاتي، حتى لا يحكم وهو في حالة غضب، أو يوجد ما يشغله ذهنيًّا؛ فلا يستطيع التفكير في شيءٍ آخر، كتب أبو بكرة إلى ابنه -وكان بسجستان- بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان؛ فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" (رواه البخاري).

وإن الفقهاء عدوه بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر: كالجوع، والعطش المفرطين، والوجع المزعج، ومدافعة أحد الأخبثين، وغلبة النعاس، وشدة الخوف، أو الحزن أو الهم أو السرور، وسائر الأمور التي تشغله عن استيفاء النظر، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب.

9- أن ينتقي أفضل العبارات، وأجمل الألفاظ، في مخاطبته لطرفي النزاع بكلام هين لين، ولو احتاج في إصلاحه لشيء من الكذب في كلامه بأن يقول لأحد المتخاصمين أن صاحبه يذكره بالخير؛ فلا بأس بذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا" (متفق عليه).

10- التحلي بخلق الصبر والحكمة، وإن جهل عليه أحد الطرفين فإن الله لا يضيع أجره ويكتبه في المحسنين، قال تعالى: "واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين"، فالإصلاح بين الناس يحتاج إلى حكمة وصبر، وإلا فإن الساعي أحيانًا قد يزيد من حدة الخلاف، ويضاعف من المشكلة لو لم يصبر أو يتصرف بحكمة، فيفسد من حيث يريد الإصلاح.