الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 08 يناير 2022 - 5 جمادى الثانية 1443هـ

معارك حاسمة (8) بين يدي معركة القادسية

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فدولة الفرس كانت من الإمبراطوريات العظمى، وكان الإسكندر المقدوني فَرَّق شمل دولتهم، لكنهم أعادوا مجدهم على يد ملكهم أردشير بن بابك، فأقام دولة المدائن أو كما يطلق عليها العرب: (دولة الأكاسرة).

وكان الصراع بين الإمبراطوريتين: الفارسية والرومانية سجالًا، وقد عرض القرآن الكريم هذا الصراع وبشَّر بنهايته، واستبق نتائجه بهدف حثِّ الناس على الإيمان والتصديق بما أنزل من السماء، قال -تعالى-: "الم . غلبت الروم . في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون" (الروم).

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بَعَث إلى كسرى أبرويز ملك الفرس يدعوه إلى الإسلام، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، إلى كسرى عظيم فارس، سلام على مَن اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أدعوك بدعوة الإسلام، فإني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيًّا، ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس".

وكان جواب كسرى الغضب الشديد، وتمزيق الرسالة؛ لأنه لم يعتد على هذه اللهجة، وخاصة من العرب، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه أن يُمزَّق ملكه.

وقبل معركة القادسية أرسل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رسالة إلى يزدجرد ملك الفرس بأمر الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "أيها الملك إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولًا يدلنا على الخير، ويأمرنا به، ثم أمرنا أن نبدأ بمَن يلينا مِن الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، ونحن ندعوكم إلى ديننا، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فالقتال بيننا وبينكم، فقال يزدجرد: إني والله لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددًا منكم، فقد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا غاراتكم، فإن كان غرور لحقكم فلا يغرنكم ذلك منا، وإن كان الفقر والجوع دعاكم، فرضنا لكم قوتًا يكفيكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يترفق بكم".

وكان مِن أحداث معركة القادسية ما كتبه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ومَن معه من الأجناد: "فإني آمرك ومَن معك مِن الأجناد بتقوى الله على كلِّ حال، فإن تقوى الله أفضل العدة، وأقوى المكيدة في الحرب. 

وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم مِن عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، فإن عددنا ليس كعددهم، وإلا ننصر عليهم لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا. اسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم. 

وترفَّق بالمسلمين في سيرهم، ولا تجشمهم سيرًا يتعبهم، ولا نقصر بهم عن منزل يرفق  بهم، حتى يبلغوا عدوهم، والسفر لم ينقص قوتهم، فانهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع، وأقم بمَن معك في كل جمعة يومًا وليلة حتى تكون لهم راحة يجمون فيها أنفسهم، ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها مِن أصحابك إلا مَن تثق بدينه، ولا يرزأ أحدًا من أهلها  شيئًا، فإن لهم حرمة وذمة، ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فنولوهم  خيرًا، ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح. 

وإذا وطأت أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم، ولا يخفى عليك أمرهم، وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع، وتبث السرايا بينك وبينهم، فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم، وتتبع الطلائع عوراتهم. 

وانتقِ الطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل، فإن لقوا كان أول مَن تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد، ولا تخص بها أحدًا بهوى، فتضيع مِن رأيك وأمرك أكثر مما حابيت به أهل خاصتك. 

ولا تبعث طليعة ولا سرية في وجهٍ تتخوف فيه غيلة أو صنيعة ونكاية، فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك، وأجمع إليك مكيدتك وقوتك، وتعرف الأرض كلها كمعرفتك أهلها، فتصنع بعدوك كصنعه بك، ثم أذك أحراسك على عسكرك، وتيقظ من البيات جهدك، ولا تمر بأسير ليس له عهد إلا ضربت عنقه لترهب به عدو الله وعدوك. 

والله ولي أمرك ومَن معك، وولي النصر لكم على عدوكم، والله المستعان".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.