الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 - 7 صفر 1443هـ

الفساد (107) أين دور الزراعة في الاقتصاد المصري؟ (9)‏

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيعد مستقبل الزراعة في مصر على المحك، حيث تتعرض الزراعة في مصر إلى تحديات عديدة سوف تؤثِّر على دور الزراعة في تنمية وتقوية الاقتصاد المصري؛ لذا يجب التصدي إلى تلك التحديات والتعامل معها مبكرًا، وفي نفس الوقت نحتاج إلى الدخول والتفوق في مجالات زراعية جديدة ينبغي أن تكون طموحاتنا فيها كبيرة، بل يلزمنا كذلك التوسع في مجالات زراعية موجودة تحتاج إلى التوسع والتطور فيها لتتناسب وتتوافق مع حجم ومكانة دولة مثل "مصر"؛ بمواردها الطبيعية، وتاريخها العريق، وموقعها الجغرافي، وعددها السكاني.

ويزيد هذا الأمر صعوبة: أن الآمال ما زالت معلَّقة على الزراعة لتسترد مكانتها المعهودة، وتقوم بدورها المنوط بها في تحقيق الاكتفاء الذاتي والنهوض بالأمة اقتصاديًّا، واستعادة مكانة الأمة اللائقة بها، وما بين مواجهة تحديات مقلقة والتطلع إلى مزيدٍ مِن العطاء المطلوب يتأرجح مستقبل الزراعة في مصر.

خطر التغيرات المناخية على الزراعة:

كانت مصر تتميز بمناخٍ معتدلٍ، حار جاف صيفًا، ممطر معتدل شتاء، ولكن هذا المناخ لم يعد -ولن يكون- كذلك، فالصيف تشتد حرارته والشتاء زاد تقلبًا بين شدة البرودة وشدة الحرارة، إلى جانب سيول وأمطار غزيره تارة، وجفاف وندرة أمطار تارة خرى، ولكلٍّ منهما تأثيره الضار على الزراعة في البلاد.

منذ نحو ثلاثين عامًا (حين عقدت قمة المناخ في "ريو دي جانيرو" عام 1992، وأعلن العالم للمرة الأولى التزامه تجاه الحد من الانبعاثات الغازية لمستويات يمكن السيطرة، ولا تسبب أضرارًا لعملية إنتاج الغذاء ونحن نتحدث عن تأثيرات التغيرات المناخية على مصر، وغرق الإسكندرية ودلتا النيل، واختفاء محاصيل زراعية وتأثر أخرى؛ بسبب التقلبات المناخية الناتجة عن هذه التغيرات. بعد هذه القمة بسنتين تحديدًا شهدت مصر أعنف موجة من السيول؛ حيث هطلت الأمطار بشكل غير مسبوق خاصة في الصعيد، وكان أكبر ضحاياها غرق قرية (درنكة) بأسيوط، وموت المئات يومها، وأصيبت الحياة في بعض مناطق بالشلل التام)، (كما دمَّرت السيول آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية، ومن وقتها أصبحت السيول ضيفًا دائمًا على مصر يتكرر كثيرًا).

وفي عام 2015 أمر رئيس الوزراء: (بتشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية برئاسة وزير البيئة وعضوية ممثلي معظم الوزارات والهيئات المعنية بالتغيرات المناخية، وذلك من أجل العمل على صياغة وتحديث إستراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ، ورسم الخطط الوطنية الخاصة به)، (وقبل قمة باريس وبعدها تبارت الوزارات والهيئات والمراكز البحثية في إنشاء لجنة ومركز خاص بالتغيرات المناخية وجمع المعلومات ورسم الخطط، وغيرها.

والنتيجة: أننا أصبح لدينا خبراء في مجال التغيرات المناخية ولدينا خبرات عديدة بينما النتيجة على الأرض لا شيء، والدليل المحاصيل الزراعية التي تنهار في محافظات مصر، والسيول التي تضرب المحافظات، وتجتاح معها المباني والبشر) (راجع تحقيق: "التغيرات المناخية تغير شكل المستقبل في مصر" جريدة الأهرام - عدد الجمعة 6 يوليو 2018، ص 27 بتصرفٍ).

إننا نحاول وقف تأثيرات التغيرات المناخية ولدينا خبراء للتعامل مع هذه التغيرات، وهناك مشروعات تأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية، لكن النتيجة على الأرض ضعيفة، (فالكل يتحدث عن زيادة درجة الحرارة بمعدل يتراوح من درجة إلى درجة ونصف خلال عشرين عامًا؛ وعليه: ينتظر الجميع ذلك، لكن لا يعلم أحدٌ أننا بدأنا بالفعل في التأثر بهذا الارتفاع الآن، حيث سنشهد تقلبات جوية حادة في توقيتات لم تعهد المنطقة وجودها) (المصدر السابق).

ويرى د. محمد فهيم -المدير التنفيذي لمركز معلومات تغير المناخ- أن (أهم قطاع سوف يتأثر بهذه التغيرات هو قطاع الزراعة، كونه الأكثر هشاشة في سلسلة الأنشطة الاقتصادية في مصر، فالمنظومة الزراعية لدينا فقيرة ومعقدة ومتشابكة، وبنيتها التحتية ضعيفة جدًّا، والتكنولوجيا المستخدمة قديمة جدًّا، يقابلها إنفاق ضعيف وميزانية محدودة لا تلبي التطور المطلوب لمواجهة هذه التغيرات والتقلبات.

والنتيجة: أن القطاع سيزداد هشاشة وضعفًا، وسيتأثر كثيرًا بالتغيرات؛ سواء الموجودة الآن أو القادمة، حيث لم يسعَ بشكلٍ كبيرٍ للحدِّ مِن هذه التأثيرات؛ فأهم المشكلات التي تواجه الزراعة وإن كانت بشكل غير مباشر هي مشكلة الحيازات الزراعية الكبيرة جدًّا، والمتناثرة جدًّا، والصغيرة جدًّا، وهذه من أهم أسباب ضعف هذا القطاع، وهو ما يصعِّب من تنفيذ توصيات الحدِّ مِن تأثير التغيرات المناخية، وتعطيل السياسات الزراعية المستقبلية.

أضف إلى ذلك: أن أراضي الدلتا -لأنها في معظمها فقيرة سواء القديمة أو الجديدة وسواء طينية أو رملية- سوف يحتاج الفلاح لشراء كمياتٍ كبيرةٍ من السماد لعلاج التربة، وبسبب التقلبات المناخية الأخيرة حدثت خسائر كبير بأرقام صادمة للفلاح في الدلتا، وهناك نقص في الإنتاجية لمعظم المحاصيل الزراعية وصل بعضها إلى 50%، مثل ما حدث لمحصول المانجو على سبيل المثال) (المصدر السابق بتصرفٍ).

ومع اتباع نظام الري بالغمر الحالي في أكثر من 85 % من زراعاتنا يترتب عليه فقد للمياه؛ لذا سوف نواجه مع الصيف شديد الحرارة زيادة في استهلاك مياه الري من 20 - 30 % عما هو معتاد، قابلة للزيادة في السنوات التالية، أي: إننا في تحدٍّ كبير في زيادة استهلاك المياه، واحتمالية معاناة كبيرة في استخدام المياه في الزراعة خاصة في فصل الصيف. (وقرار وزارة الري بتقليل مساحات الزراعات الشرهة للمياه يصب في هذا الاتجاه، ولكن لا بد من اتخاذ هذا القرار بشكلٍ تدريجيٍ، ووَفْق منهجية علمية؛ لأنه قرار صادم وضد مصالح المزارعين، وسوف يكون له آثار جانبية كبيرة، وسيتسبب في ارتفاع كبير في أسعار هذه المحاصيل، خاصة محصول الأرز، حيث إن هذا المحصول هو المحصول المربح الوحيد، فهل تم إجراء دراسات جدية قبل تقليل هذه المساحات وأثرها، وتأثير مساحات الزراعات الشرهة للمياه له تأثير مباشر على المزارع السمكية الموجودة في الدلتا، حيث إن هذه المزارع تعتمد على مياه الصرف من هذه الزراعات) (المصدر السابق بتصرفٍ).

ويشير د. محمد فهيم إلى أنه: (كان من المفترض أن يتم رسم خريطة مناخية زراعية لمصر تراعي التوزيع المناخي من حرارة ورطوبة وأمطار ورياح، وكل من له تأثير مباشر على نمو وإيجابية النبات؛ هذه الخريطة تكون مطروحة الآن ومستقبلًا، ومعها خريطة التراكيب المحصولية بناءً على احتياجاتها من المناخ ومدى تحملها للتقلبات الجوية، ولكن للأـسف لم يتم رسم هذه الخريطة، أو تم رسمها ولم يتم تنفيذها) (المصدر السابق).

وعن التغيرات المناخية في مصر يشير دكتور محمد الراعي مدير -مركز التغيرات المناخية والحد من المخاطر- بجامعة الإسكندرية أن مصر تحضر قمم المناخ منذ اتفاقية (كيوتو)، وتأخذ توصيات مطلوب العمل بها، لكننا لم نستطع تنفيذ هذه التوصيات، حيث تقع مصر في المرتبة الـ 20 في تأثرها بهذه التغيرات المناخية، وهذا مركز متقدم جدًّا، بينما تقع في المرتبة الـ 100 في تكيفها مع هذه التأثيرات، وفي تنفيذ التوصيات من خلال منح خارجية توضع في خطط التكيف مع المناخ) (المصدر السابق).

كما يرى د. سامح فاروق مكرم -استشاري شئون البيئة والمنشآت والموارد المائية-: أن التأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية من تغير المناخ كبيرة ومعروفة من سنواتٍ طويلةٍ، حيث تحوَّلت الدورة المناخية وأصبحت التغيرات حتمية، حيث تمت ملاحظة هذه التغيرات في درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيط، ورقعة الجليد البحري. وخلال السنوات المقبلة سوف نشهد سقوط أمطار في أماكن وأوقات لم تكن معروفة من قبل، فأجواء الجزيرة العربية بحرارتها المرتفعة وأمطارها في غير أوقاتها سوف تحدث في مصر، وبالتالي: تتغير البيئة الزراعية، وسوف تتأثر كل المحاصيل الزراعية، وقد لا نستطيع زراعة محاصيل بعينها طبقًا لأحوال الجو.

وأضاف: (بالرغم من أننا نمتلك خبرات لا حصر لها في كل المجالات، من الزراعة والصحة والري، فإننا لا نحسن التوظيف، والمفترض تنفيذ توصيات قمم المناخ بشكل دوري).

وأضاف: (وقد قامت وزارة الري بإنشاء مخرات للسيول تحسبًا في المحافظات الحدودية للاستفادة من مياه الأمطار والسيول، ونحن في حاجة إلى استخدام مياه هذه الأمطار التي تهطل في المحافظات الأخرى، فلا توجد دولة تهدر مياهها مثل مصر)، و(من الممكن إنشاء طرق صرف فرعية من خلال مواسير على عمق معين تستقبل هذه المياه، وصرفها في البيارات أو تنكات أو أحواض زراعية، وهي عملية سهلة، ولا تحتاج تغييرًا في البيئة التحتية، بحيث استفيد منها، وتجنب في نفس الوقت انهيار الطرق والمباني وغيرها) (المصدر السابق بتصرفٍ).

إن ارتفاع الحرارة الشديدة في فصلٍ سيؤثِّر على محصولات، وازدياد شدة البرودة في فصل سيؤثر على محصولات، وتقلب الحرارة بين الحرارة العالية والبرودة في نفس الموسم والفصل سيؤثر على محصولات، ولابد من المسارعة في علاج ذلك، والتعامل المناسب معه.

تراجع محصول المانجو نموذجًا:

جاء في جريدة الأهرام عدد الجمعة 25 يونيو 2021 ص 10 تحت عنوان: (المانجو الفاكهة الأشهر تواصل ضرباتها للمزارعين): (تعد المانجو المحصول الرئيسي بمحافظة الإسماعيلية، والأكثر شهرة على مستوى الجمهورية؛ نظرًا لحلو مذاقها الذي لا يوجد في مكان آخر، وخاصة صنف (العويس)، والذي يعد من أشهر الأصناف التي تتميز بها المحافظة حيث تبلغ نسبة السكريات الذائبة فيه أكثر من 24 %، وهذه النسبة تعد أعلى نسبة سكر على مستوى الأصناف في العالم، ولكن ما زال المحصول الأشهر بالمحافظة يعاني الضربات المتتالية خلال السنوات الأخيرة؛ الأمر الذي حول شجرة المانجو إلى شجرة زينة) (المصدر السابق).

ويرجع التراجع الحاد في محصول المانجو في السنوات الأخيرة إلى الأحوال الجوية التي اختلفت عما كان من قبل، بالوقوع في تغيرات مناخية تعرف بالمدى الحراري، وهو الفرق الكبير بين درجات الحرارة في الليل وفي النهار، حيث وصلت الحرارة ليلًا إلى 16 درجة مئوية ونهارًا إلى 30 درجة، في الوقت الذي يحتاج فيه التلقيح إلى حرارة مرتفعة وطقس جاف.

وكذلك انتشار مرض (العفن الهبابي) الذي ظهر منذ ثلاث سنوات، وما زال محصول المانجو يعاني منه، حيث لم تفلح محاولات التخلص منه حتى الآن؛ خاصة في ظل غياب الرش الجماعي لهذا المرض.

وقد زاد قلق المزارعين هذا العام بسبب التراجع الشديد في المحصول مقارنة بالسنوات السابقة، وكان لتساقط الجزء الأكبر من المحصول عقب عيد الفطر الماضي دور كبير في المعاناة لأصحاب وملاك ومستأجري محصول المانجو حيث يجعلهم مهددين بسبب الديون التي تراكمت عليهم.

والجانب الأكثر خطورة: أن بعض المزارعين بدأوا في اقتلاع وإزالة الأصناف البلدية المميزة وزراعة الأصناف الأجنبية المستوردة مكانها، مثل: الكيت، والكنت، والناعومي بسبب إنتاجها الغزير، (حيث تتم زراعة الأصناف الأجنبية على مسافة مترين، والفدان يستوعب منها 900 شتلة، في حين أن الفدان يستوعب 100 شتلة من الأصناف البلدية) (المصدر السابق)؛ بالإضافة إلى قدرة الأصناف الأجنبية على مقاومة الأمراض، وهو الأمر الذي يهدد تحت وطأة زحف الأصناف الأجنبية بفقدان هذه الأصناف البلدية، مثل: العويس، والزبدة، والهندي ذات المذاق الخاص، وبالتالي: فقد السوق المرتبطة بها للاستهلاك المحلي وللتصدير للخارج، فتلحق هذه الأصناف البلدية المميزة بالشمام الإسماعيلاوي الشهير الذي اختفى تمامًا من الأسواق، وحل محله الكنتالوب والأناناس.

ويزيد الأمر صعوبة: ارتفاع مستلزمات الإنتاج وتكلفة الأيدي العاملة، وتكلفة تشغيل ماكينات الري وصيانتها، وكلها أمور تزيد من تكاليف الزراعة وتجعلها باهظة، وبسبب تراجع المحصول تكون الخسائر الفادحة للمزارعين والملاك.

ويوجِّه بعض المزارعين الاتهامات إلى غياب دور الإرشاد الزراعي ودور الجمعيات الزراعية في التوعية بمخاطر التغيرات المناخية، وكيفية مقاومتها، وهي مشكلة عامة على مستوى الجمهورية بسبب وقف تعيينات المرشدين الزراعيين منذ سنواتٍ طويلةٍ؛ لذا فأصغر مرشد زراعي في مديرية الزراعة يبلغ من العمر 55 عامًا، وبالتالي اختفى دور المرشد الذي يقوم بدور المرشد من خلال المرور بنفسه على المحاصيل لإرشاد مزارعيها (للاستزادة راجع المصدر السابق).

مشاكل في تصدير الحاصلات الزراعية:

جاء في جريدة الأهرام عدد الجمعة 11 أغسطس 2017 في تحقيق (ص 4) بعنوان (لتعزيز الثقة في سمعتها: صادراتنا الزراعية تحت الحماية): (لا نبالغ إذا قلنا: إن صادراتنا الزراعية تواجه مأزقًا حقيقيًّا في بعض الأسواق الخارجية، ومِن ثَمَّ ما كان يمكن أن تلتزم الجهات المعنية بتصدير الحاصلات الزراعية في مصر الصمت، ولا أن تقف مكتوفة الأيدي أمام قرارات الحظر التي تفرضها بعض الدول على صادراتنا بين الحين والآخر.

ولأن الأمر يتعلق بسمعة مصر التصديرية، ولا مجال للتهاون أو السلبية، فمن الآن فصاعدًا نستطيع أن نؤكِّد أن صادراتنا لن تغادر المنافذ إلا بعد التثبُّت من سلامتها، ومطابقتها للمعايير الدولية. وبشكل عام فإن قرارات الحظر التي تتعرض لها بعض الصادرات الزراعية المصرية قديمة جديدة، فخلال الفترة الأخيرة أصدرت بعض الدول تحذيرات من بعض المنتجات المصرية: كالفراولة، والفلفل، والبطاطس، والخص؛ لاحتوائها على متبقيات مبيدات، وقبلها بشهور تمت إعادة شحنات من البطاطس بعد تصديرها، بدعوى إصابتها بالعفن البني أو الأسود، كما سبق أن حذرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (إف. دي. إف) منذ ما يقرب من عام من الفراولة المصرية بزعم مسئوليتها عن إصابة من تناولوها بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (أ)، ومن بعدها فرضت روسيا حظرًا على صادراتنا الزراعية في سبتمبر الماضي لحين التفاوض، ولأسبابٍ لم يذكرها أحد من الجانب الروسي) (المصدر السابق).

ومصر تصدر منتجاتها الزراعية من فتراتٍ طويلةٍ للعديد من الدول الأوروبية والآسيوية والعربية، ومن الطبيعي: أن تظهر من وقتٍ لآخر بعض المشكلات الطارئة في مقابل الكميات التي تصدرها مصر، ولكن الخطورة تكمن في أسباب هذه المشكلات، ومدى التخلص منها وعلاجها.

ومِن المهم بالطبع: خضوع الصادرات المصرية من محاصيل الخضر والفاكهة لإجراءات الفحص والحجر بمعرفة مفتشي الحجر الصحي؛ للتأكد من سلامتها قبل التصدير. وهناك قرار وزاري رقم: 670 يضمن سلامة المنتجات المصدرة من متبقيات المبيدات ضمن منظومة لعمليات إنتاج وتصدير محاصيل الخضر والفاكهة التي حددها المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، مع إلزام المزارع بأن يكون لديها نظام يوافق النظم العالمية للمزارع المعدة للتصدير، ولسجلات ولقائمة بالمبيدات التي يتم استخدامها، ومصدر الحصول عليها، وأن تكون هذه المبيدات في إطار المبيدات المصرح باستخدامها؛ إذ إن هناك مبيدات في مكافحة الآفات محظورة عالميًّا لأنها تسبب أضرارًا صحية شديدة للإنسان.

وهناك اشتراطات خاصة بالمزارع المُعدَّة للتصدير ومواصفات خاصة لمحطات التعبئة، وهناك نظم عالمية عديدة للجودة ينبغي الالتزام بها حتى تلقى المنتجات المصدرة قبولًا لدى السوق الخارجي، ومن ذلك: النظام العالمي للتحكم في الجودة، ومع ذلك فما زالت هناك مبيدات محظورة تدخل مصر عن طريق التهريب من دول مجاورة ويستخدمها المزارعون دون علم بأنها محظورة دوليًّا، فتخرج الثمار محتوية على متبقيات هذه المبيدات. وتكمن مشكلة المبيدات في تأثيرها التراكمي حيث تستقر وتتراكم في الكبد والكلى والمخ، وتظهر آثارها الصحية خلال 10 سنوات، (وقد سمحت أجهزة الأمم المتحدة المختصة لكلِّ دولة بتحديد نسب المبيدات المسموح باستخدامها دوليًّا حسب مناخها، وتوصي باستخدام المبيدات المتبخرة (فولاتيل)؛ لأنها سريعة التبخر من على أوراق الخضروات والثمار بحيث تنتهي آثارها خلال أسبوعين من رشها على الثمار أو الخضروات) (المصدر السابق).

أخطار السيول والأمطار الغزيرة:

ما زالت محافظات مصر مهددة بالتعرض من وقتٍ لآخر للأمطار الغزيرة التي تبلغ حدَّ السيول في العديد مِن المدن والمراكز والقرى، وتتسبب في خسائر فادحة بما فيها الخسائر في الأرواح، ففي نوفمبر 2018 تعرضت عزبة سعيد التابعة للوحدة القروية بالمعابدة مركز أبنوب بمحافظة أسيوط لأمطار مصحوبة بسيول، والقرية (يعيش أغلب سكانها تحت خط الفقر، ويشتغلون بالزراعة، وكثير من مساكنهم بدائية مبنية من الطوب اللبن. ونظرًا لوجود القرية في حضن الجبل، فكان من الطبيعي أن يقع جزءٌ منها في طريق مخرات السيول، وهو ما حدث بالفعل، لتعيش القرية ليلة حزينة، بعد ما تعرضت لأمطار مصحوبة بسيول؛ مما أدَّى لانهيار وتصدع عددٍ من المنازل، مما زاد من رعب ومخاوف الأهالي) (راجع الأهرام عدد 16 نوفمبر 2016 م، مقال بعنوان: "في عزبة سعيد الغرقانة بأسيوط: 200 منزل متضرر وتلف المحاصيل وتشريد العشرات" ص 26).

فاندفاع السيول القادمة من الجبل والمحملة بالرمال تتسبب في انقطاع التيار الكهربائي، وتصدع المنازل وانهيارها، وتلف المحاصيل والحبوب المخزنة في البيوت، وينتج معه حالة من الرعب والفزع يعيشها الأهالي وأطفالهم وهم عاجزون عن فعل أي شيء في ظل إمكانيات محدودة، وهي مأساة قابلة للتكرر في الكثير من القرى والعزب في الكثير من المراكز والمحافظات.

وهي تتطلب إقامة المئات -بل الآلاف- من سدود الإعاقة وحواجز توجيه وقنوات تحويل، وإنشاء بحيرات جبلية وصناعية وخزانات أرضية، وتجهيز المئات من المخرات لاستيعاب مياه السيول الواردة من الوديان ونقلها بأمان إلى شبكة الترع والمصارف ونهر النيل، خاصة في الأماكن الأكثر تهديدًا بالتعرض للسيول كما في نويبع وسانت كاترين وأبو رديس، ومحور (وادي فيران - سانت كاترين) وغيرها من الوديان.

وكذلك المناطق على الحدود الشرقية لمحافظة البحر الأحمر والصعيد، وكذلك في المحافظات الحدودية، كما في مدن محافظة مرسى مطروح؛ خاصة النجيلة، وبراني، والضبعة عند سقوط المطار الغزيرة، التي تتسبب في خسائر فادحة في المنشآت والزراعات والأفراد، وتراكم المياه في الشوارع والميادين، وتعطيل حركة المرور والسيارات.

وقد تعرَّضت مصر في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي لحالة من سقوط الأمطار الغزيرة قامت معها غرف العمليات في كلِّ المحافظات خاصة الساحلية برفع درجة الطوارئ إلى أقصاها لمواجهة تداعيات الموقف؛ بالإضافة إلى ما قامت به قبلها من الاحتياطات الممكنة.

جاء في جريدة الأهالي في 24 فبراير 2012 في مقال بعنوان: (51 مليار متر مكعب حصيلة مياه الـمطار بمصر سنويًّا: خبراء يقترحون إنشاء سدود تغذية والتوسع في مخرات للسيول) (ص: 3) عن خبير المياه د. نادر نور الدين قوله: (إن حجم الأمطار التي تسقط على مصر سنويًّا تقدَّر بنحو 51 مليار متر مكعب مياه سنويًّا طبقًا لتقديرات منظمة الفاو، ولكن لا يتم الاستفادة سوى من 3 و1 مليار فقط، والتي تسقط على مناطق الدلتا، أما المناطق الصحراوية فلا توجد بها مخرات السيول، وهو ما يؤدي إلى عدم الاستفادة من هذه المياه).

وشدد د. نادر: (على ضرورة أن تقوم الدولة بالتوسع في إنشاء مخرات السيول خاصة في المناطق الصحراوية، تمر أسفل الطرق الرئيسية، وتصب في خزانات يتم إنشاؤها خصيصا كما تفعل دول الخليج، يقومون بتحويل مياه السيول والأمطار لمياه شرب بعد تحويلها للخزانات المخصصة لذلك) (المصدر السابق).

(فيما طالب د. حاتم حلمي عرفات -الأستاذ بمركز البحوث الزراعية-: بضرورة تنفيذ إستراتيجية تعظيم الاستفادة من مياه الأمطار والسيول خاصة بعد التغيرات المناخية الأخيرة؛ بالإضافة لمواجهتها بالشكل اللازم حتى لا تتحول لكارثة بسقوط الأمطار في بعض المحافظات).

وأضاف حاتم: (إن هناك مقترحات للاستفادة من الموارد المائية، منها: إنشاء سدود تغذية لحجز مياه السيول والأمطار حتى تتسرب مرة أخرى لباطن الأرض، وتتحول لآبار جوفية وخاصة في مناطق سيناء، وإقامة محطات وبحيرات صناعية لحجز مياه الأمطار والسيول، وضمان تعظيم الاستفادة منها؛ رغم أنها لا تزال حتى الآن غير كافية ما يتطلب العمل على تطويرها) (المصدر السابق).