الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 01 فبراير 2021 - 19 جمادى الثانية 1442هـ

المسئولية في تربية الأبناء

كتبه/ محمود عمارة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلما رتبت الشريعة كثيرًا مِن الأجور على وجود الذرية، أوجبت علينا الاعتناء بهم أشد الاعتناء، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أدبوهم وعلموهم".

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مُروا أهليكم بالذِّكر ينجيكم من النار".

وقال مجاهد: "أوصوا أهليكم بتقوى الله".

وقال قتادة: "تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية زجرتهم عنها" (تفسير ابن كثير).

وعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) (متفق عليه).

قال الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله-: "(مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً): هذا يشمل الرعاية العامة والرعاية الخاصة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه)، وإذا قلنا بهذا صار الإنسان مسئولًا عن أهله في حياته وبعد مماته؛ لذا وجب عليه أن يؤدي حق الله في رعيته التي استرعاه الله عليها، فينصح لهم، ويحرص على تعليمهم ما ينفعهم.

 وينبغي على ذلك: أن مَن خلَّف لأهله ما لا يجوز اقتناؤه من الآلات: كالتلفزيون والدش، وما أشبه ذلك على وجه يعرف أنهم يستعملونه على محرم؛ فإنه سيلحقه هذا الوعيد، وأنه إذا مات على هذه الحال؛ فإن الله يحرِّم عليه الجنة -والعياذ بالله-" (انتهى من تعليق الشيخ على صحيح مسلم 1/ 44-448).

وقال -صلى  الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

وقال الشيخ محمد محمد مختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع: "فلا يمكن لمجتمعٍ أن يسعد إلا بهذا الحديث؛ فلو أن كل مَن يعول  قليلًا أو كثيرًا يقوم بحقوق الإعالة كما ينبغي؛ لما حدثت مشكلة؛ لأن المشاكل تقع كلها بسبب تضييع حق الإعالة سواء كانت زوجة أو أولادًا، وحتى إنه يضيع مَن يعول بالسهر فيضيع الإنسان حق زوجته، فيضيع حق أولاده في مراجعتهم ومذاكرتهم ومتابعتهم في دروسهم وفي أصحابهم، وقرنائهم، وكل المشاكل إنما نشأت من عدم القيام بحق مَن استرعاك الله عليهم، وحينما يقوم كل راعٍ بحق رعيته تحل كل المشاكل وما أحسنه وما أجمله قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا)؛ بمجرد أن تسمع هذه الكلمة ترتجف، ومَن الذي يتحمل أن يَلْقَى الله بالإثم والوزر؛ سواء كان في الدِّين أو في الدنيا؟ والإثم لا يزال سببًا في هلاك الإنسان ودماره، حتى لربما تسبب في سوء خاتمته -والعياذ بالله-، ولربما تسبب في أن يكون قبر الإنسان حفرة من حفر النار.

فالوالد جعل الله عليه حق النفقة لأولاده، وجعله قائمًا على بيته يأمرهم بما أمر الله به، وينهاهم عما نهى الله عنه، فمن حقوق الأولاد المادية أن ينفق عليهم بالمعروف، فإذا امتنع الوالد مع القدرة على الإنفاق؛ فحيئنذٍ ظَلَم وجَار؛ لأن الولد لو لم يُعطَ لربما وقع في الحرام، وتعرض للسرقة، بل ولربما تعرض للفواحش".

وإذا كان التقصير في النفقة المادية يعرِّض الوالد للعقوبة، فكذلك التقصير في حق ولده بترك تعليمه وتربيته، فليراجع كل وليَّ أمر منا أولاده ذكورًا وإناثًا: هل أدَّى ما أمره الله به أم يحتاج إلى مراجعة؟

فالواجب علينا الاهتمام بتعليم أطفالنا ما تصح به عقيدتهم مِن: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما تصح به عبادتهم فيما يتعلق بالوضوء والصلاة.

ويبقى أن ننبِّه لأمر مهم، وهو: أن التربية مسئولية مشتركة بين الأب والأم؛ فليس الأب صندوق مالي يحصل الأولاد مِن خلاله على الأموال اللازمة لشراء احتياجاتهم ومتطلبات معيشتهم، وإنما هو القدوة الأولى في حياة أولاده وهو الموجِّه والمعلِّم والمربي، فالمسئولية مشتركه بين الأباء والأمهات، وليس كما يعتقد البعض أن الأم تربي وحدها والأب يعمل.

فقد يعتقد البعض أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة بصفة خاصة هم مسئولية الأم، بينما الأب ملزم بالعمل خارج المنزل وفقط، ولقد بينت الأبحاث في هذا المجال أن علاقة الأب بالأبناء في هذه المرحلة لا تقل أهمية عن علاقة الأم بهم، فعلاقة الأب العاطفية بأولاده تساعده في بناء أساس شخصية أكثر أمنًا واطمئنانًا؛ خاصة مع توفر التفاهم بين الزوجين.

بل إن العلاقة بين الزوجين مِن الأسس المهمة لبناء الشخصية السوية بين الأبناء، فمِن الواضح أن نوعية العلاقة بين الزوجين تصبغ الأسرة كلها بصباغها، وهذا أمر طبيعي فالأبوان المتحابان المتفاهمان يجعلان الجو الأسري بهيجًا، ويجعلان بناء الأسرة متينًا ومنسجمًا.

والحقيقة: أن تفاهم الزوجين وتحاببهما يترك آثارًا بعيدة المدى في حياة الأبناء، حيث إنهم يتشربون من آبائهم وأمهاتهم المعايير والمفاهيم والتقاليد التي سيعاملون بها أزواجهم وزوجاتهم في المستقبل، فالبنت تعامل زوجها وتتوقع منه بحسب الخبرة التي اكتسبتها من خلال معايشتها لأبويها، وكذلك الابن؛ ولهذا فإن التجربة علَّمت العامة أن يسألوا عن أم البنت التي يرون خطبتها، كما أنهم يسألون عن أهل الأم، أي: أخوال البنت وخالاتهم؛ لأنهم وجدوا أن البنت تتطبع بطباع والدتها.

نحن نستطيع إذًا أن نقول: "إن التفاهم بين الزوجين هو أكبر هدية يقدمانها لأولادهما"، وهذا يؤكِّد المسئولية المشتركة بين الوالدين في بناء صرح الشخصية الشامخ لكل ابن وبنت من أبناء الأسرة.

ولعلي أتساءل الآن: ما الأوقات التي تقضيها مع أولادك في البيت لتجلس معهم وتتحاور وتتناقش؟ لا أقصد الأوقات التي تستغرق الأوامر والنواهي المباشرة، مثل: (اكتب الواجب - احفظ ما عليك - لا تضرب إخوانك)، وإنما أتساءَل عن الوقت الذي تقضيه في التربية الحقيقية لأبناءك!

اعلم أيها الوالد -وأيتها الوالدة-: أن المسئولية عظيمه، وأنه مِن العبث أن نقصِّر في حق أبنائنا، ثم ننتظر مخرجات ممتازة من التفوق، وحُسْن الخُلُق، والالتزام الأخلاقي، والحِفَاظ على الصلاة في أوقاتها، والصحبة الصالحة، وغيرها؛ فلكلِّ نتيجه مقدمات وأسباب إن ضيعناها، ضاعت النتائج والمخرجات.