الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 17 فبراير 2008 - 10 صفر 1429هـ

كيف نتأدب مع الله (2-3)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فقد تكلمنا في مقال سابق عن السبب الأعظم الدافع للتأدب مع الله -تعالى- ألا وهو: "تعظيم الله -تعالى- حق تعظيمه".

وفي هذا المقال نبين -مستعيناً بالله تعالى- بعض الآداب التي ينبغي علينا أن نأخذ أنفسنا بها في المعاملة مع الله -تعالى-، مع استحضار الدُربة والممارسة التي تكلمنا عنها؛ فما أسهل الدعوى وما أصعب العمل! لكن الله المستعان.

أولاً: أن نثبت لله -تعالى- الأسماء الحسنى والصفات العلا التي أثبتها -تعالى- لنفسه, وأثبتها له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تمثيل ولا تعطيل، ولا طمعِ في إدراك حقيقة صفاته -تعالى-، مع اعتقادنا الجازم أنه موصوف بكل كمال وجمال وجلال وعظمة, وأنه ليس كمثله شيء كما قال -تعالى- عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى:11).

وقال: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم:65)، أي: يساميه ويماثله -تعالى-.

وقال: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(الإخلاص:4)، أي: شبيهاً ونظيراً.

وأن نتعبد لله -تعالى- بمقتضى أسمائه وصفاته؛ فما كان منها متضمناً لصفات الجود والرحمة والعفو والمغفرة والبر والإحسان، نسعى إلى التشبه بها في معاملة الخلق, وما كان منها متضمناً لصفات الجبروت والعظمة والكبرياء، نقف منها موقف العبد الذليل الخاضع لربه, الخائف منه, الراجي له، وأن نثني عليه -تعالى- بها, وأن نسأله -تعالى- بها.

ثانياً: أن نوحِّده -تعالى- بأفعاله:

فهو الخالق, الرازق, المحيي, المميت, الضار, النافع, السيد, الآمر, الناهي, المطاع, الحاكم الذي يحكم في عباده بما يريد كوناً وشرعاً, المدبر الذي أعطى كل مخلوق آلته ورزقه وصرفه فيه أعظم تصريف، قال -تعالى-: )أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)(الأعراف:54).

ثالثاً: أن نوحِّده -تعالى- بأفعالنا:

فنفرده -تعالى- بالعبادة، بكمال حبنا وتعظيمنا له مع كمال ذلنا وخضوعنا له -سبحانه- وهذا حقه -عز وجل, ومقتضى ربوبيته -سبحانه وتعالى-.

قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة:21)، وقال-تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء:36)، وقال-تعالى-: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(الأنعام:101 -102).

وأن نسير في حياتنا وفق مرضاته -تعالى- جهدنا, وأن ننشغل بعبادته عمرنا، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام:163)، قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "محياي أي: ما آتيه في حياتي, وما يجريه الله عليّ, وما يقدر عليّ في مماتي, الجميع لله رب العالمين لا شريك له في العبادة, كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير" أ. هـ.

وقال ابن رجب -رحمه الله-: "التوبة وظيفة العمر كله"، من لطائف المعارف.

والتوبة من العبادة؛ فالعبادة هي وظيفة العمر كله، والله المستعان.

رابعاً: ومن الأدب مع الله:

دوام الحياء منه -تعالي-، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)(العلق:14)، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(النساء:1).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (استحيوا من الله حق الحياء. قالوا إنا نستحيي يا رسول الله قال ليس ذلكم, ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى, وليحفظ البطن وما حوى, وليذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)(رواه الترمذي وحسنه الألباني).

وقال معاوية بن حيدة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أمره -صلى الله عليه وسلم-بحفظ عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه: إذا كان أحدنا خالياً؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (الله أحق أن يُستَحْيَى منه من الناس)(رواه أبو داود وحسنه الألباني).

روي أن آدم -عليه السلام- لما علم أنه عصى ربه -تعالى- فرَّ هارباً في الجنة فقال الله -تعالى-"أفراراً مني يا آدم؟! قال: لا يا رب؛ بل حياء منك".

ما أعظمه من استحضارِ عند المخالفة والعصيان قوله -تعالى-: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ )(لأعراف:22)!!

وأنا وأنت لنستحضر عند المخالفة أن الله -تعالى- يقول لنا: "ألم أنهك عن ذلك؟!"؛ لعله يولد الحياء من الله -تعالى- في نفوسنا؛ فلا تقصِّر في حقه -تعالى-, ولا تخالفه.

والحياء من الله -تعالى- يتولد من رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، كما قال الجنيد -رحمه الله-.

ومن استشعار معية الله -تعالى- الخاصة لعباده الصالحين التي تستوجب حباً وخضوعاً واجتماعاً للهمم على مرضاته -تعالى-، وكذلك علم العبد ويقينه بنظر الله إليه, واطلاعه عليه؛ فيستحيي من الله أن يراه حيث نهاه أو يفتقده حيث أمره.

واللهَ -تعالى- نسألُه من فضله أن يجعلني وإياكم من أهل أدبه ومحبته، ومن عباده الصادقين.

يتبع -إن شاء الله-