الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 01 سبتمبر 2020 - 13 محرم 1442هـ

الفساد (67) سلبيات ممارسة كرة القدم وتشجيع فرقها (2-4)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتعد ممارسة لعبة القدم من الأنشطة التي تقوِّي البدن، وهي بذلك مباحة ومشروعة، ولكن يخرجها من الإباحة إلى التحريم ما يمكن أن يلحق بممارستها أو مشاهدتها من محرمات تحولها من مباحة بذاتها إلى محرمة؛ لما يلحق بها من المحرمات، ومن هنا يجب التنبه إلى هذه السلبيات.

المخالفات البدنية المصاحبة للعبة كرة القدم وتشجيعها:

لا تخلو ممارسة كرة القدم وتشجيع فرقها من العنف والشغب سواء من اللاعبين أو المشاهدين والمتفرجين؛ فاللاعبون في الملعب تأخذهم الحمية في الدفاع عن اسم ناديهم أو إرضاء جماهيرهم، أو الحرص على الفوز الذي فيه بقاء مكانتهم، فتكون الممارسة الخشنة العنيفة، والضرب بكرة وبدون كرة، وربما التشابك بالأيدي في ظل نظام احترافٍ يدر على اللاعبين الملايين حال الفوز بالبطولات والمباريات، ورغم القوانين والعقوبات الشديدة على المخالفين، فلا تخلو مباراة من طردٍ وإنذاراتٍ، ومن إصاباتٍ وجروحٍ.

أما المتفرجون في الملاعب: فيدفعهم تعصبهم أو إحباطهم من نتائج فريقهم أو نتيجة استفزازات من اللاعبين أو الحكام إلى القيام بشغب ممزوج بالعنف، لا يخلو من ضرب وتكسير وحرق، يؤدي إلى قتلى وجرحى، وهذا عام في كل دول العالم؛ ولهذا فإن الشرطة والجهات الأمنية تكون في حالة استنفار مع كل مباراة مهمة أو حاسمة، فتحاصر الملعب من خارجه وداخله، وتملأ الشوارع الرئيسية حوله بكل ما تملك من قوة في مواجهة الجماهير المشحونة؛ تحسبًا لشغبها وعنفها.

ولا يخفى أن هذه الاعتداءات من اللاعبين والجماهير بعضهم على بعض وما ينتج عنها من إصابات وكسور وقتل وجرح، هي في الشرع جنايات تستوجب القصاص.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبته يوم النحر في حجة الوداع: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ) (متفق عليه)، وعند مسلم مرفوعًا: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ).

ولعل حادثة "إستاد بورسعيد" في 2 فبراير 2012م، والتي تسببت في مقتل 73 من مشجعي النادي الأهلي بعد انتهاء مباراة الفريق مع المصري البورسعيدي، تغني عن ذكر أمثلة للعنف والشغب ومدى شراستها.

وفي الحديث: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (رواه مسلم)، وفي الحديث المرفوع: (مَنْ أعانَ على خُصومَةٍ بغير حقٍّ، كانَ في سَخَطِ الله حتَّى يَنْزِع) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

وتعقيبًا على أحداث مؤسفة صاحبت مباراة للأهلي والزمالك أقيمت في دولة الإمارات في شهر فبراير 2020م، كتب الصحفي إبراهيم حجازي في الأهرام عدد الجمعة 28 فبراير ص 17 يقول: (أتقدم كمواطن عربي مصري باعتذاري الكامل لأهالينا شعب وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة عن السلوكيات المشينة المرفوضة التي وقعت من لاعبين وجماهير، وقبلهما مسئولين، إساءة منا ولنا، وحاشا لله أن تكون للإمارات الشقيقة التي استضافت وأكرمت وأبدعت في الاستقبال والترحيب والحفاوة والتنظيم لمباراة بين أكبر ناديين في مصر تملك منهما التعصب البغيض الكريه الذي أطل علينا بوجهه القبيح عقب المباراة نتيجة شحن مريض مستمر، بكلام غير مسئول من مسئولين تفجر في الملعب بين لاعبين وفي المدرجات بين جماهير، في فاصل كراهية وفوضى، وسلوكيات مريضة وهتافات بذيئة؛ لو هناك بحق إدارة كروية مسئولة، ما تجرأ لاعب بعد نهاية المباراة أن يضرب، أو يجرؤ لاعب على فعل هذا السلوك القبيح.

كل كريه رأيناه، ليس وليد اللحظة؛ إنما هو نتاج تراكمات أخطاء وتجاوزات فجة لم تجد في منظومة الكرة المصرية الفاشلة مَن يتصدى لها ويوقفها، ليوقف الشحن المستمر الضاغط على جماهير الناديين اللذين رحل عنهم الانتماء، وحل عليهم التعصب الذي تفجر في وجوهنا، وجاهز ومستعد لأن يفعلها في أي وقتٍ، وفي أي مكان!

لاحظتم حضراتكم وجوه وتعبيرات وانفعالات بعض اللاعبين أثناء المباراة... لا يقول أحدٌ لي: إنه فرط حماس؛ لأن الحماس شيء، والعداء والكراهية شيء مختلف تمامًا؛ شحنات التعصب والكراهية والعداء نضحت على الوجوه وفضحتها، والتعبيرات اللاإرادية كشفتها، والأحداث التي وقعت بعد المباراة أكدتها!

هل يدرك مَن أوصلوا لاعبين إلى هذه الصورة كيف ينعكس هذا العداء بين لاعبين على منتخب مصر؟! كيف سيكون حال منتخب مصر وفي صفوفه الإخوة الأعداء؟!)، (على فكرة... وكلامي هنا للسادة المسئولين عن (الكورة) المادة 278 من قانون العقوبات تقول: كل مَن فعل علانية فعلًا فاضحًا مخلا للحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز 300 جنيه.

القانون حدد الفعل الفاضح بأن يكون علانية، أي: يراه الموجودون بالمكان، لكن القانون لم يخطر على بال مَن وضعه أن يكون المكان ملعب كرة وسط مدرجات بها 35 ألف متفرج بينهم بنات وسيدات وأطفال، القانون لم يضع في حسبانه أن الفعل الفاضح ربما يشاهده في التلفزيون على غفلة وبدون سابق إنذار عشرات الملايين من البشر، كل ذنبهم أن الكرة متعتهم، القانون أغفل أن الفعل الفاضح سيصبح (تريند) مباحًا متاحًا لكل مَن يملك محمولًا).

ولا تخلو كرة القدم اليوم مِن تدليك أبدان اللاعبين (المساج)، فلا يوجد نادٍ إلا وفيه مدرب خاص للتدليك لا يُستغنَى عنه! وهي ظاهرة معروفة تظهر أحيانًا عبر القنوات المرئية أثناء المباريات، والتدليك مبني على لمس البدن العاري خاصة عضلات الفخذين والساقين، والفخذ مِن العورة؛ إذ عورة الرجل مع الرجل ما بين سرة الرجل إلى ركبتيه (عورة مخففة)، وهذا التدليك محرم بهذه الكيفية، وإن فعله الرجل مع الرجل، أو المرأة مع المرأة، وأسوا منه شرعًا تدليك الرجل للمرأة أو المرأة للرجل؛ لما فيه من بواعث الشهوة والفتنة، ولما فيه من جمع بين النظر إلى العورات ولمسها، قال الله -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)، وقال -تعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) (النور: 30- 31).

 وفي الحديث المرفوع: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) (رواه مسلم)، فلا يجوز أن يجتمع الرجلان أو المرأتان عراة لا حاجز بينهما؛ كلاهما أو أحدهما.

وأسوأ من ذلك: أن يقوم لاعبو الفريق الواحد بتغيير ملابسهم في غرفة خلع الملابس أمام بعضهم البعض مع ما في ذلك مِن كشف العورات.

وأشنع من ذلك: استحمامهم عراة، ينظر بعضهم إلى بعض، وهذا موجود بلا مواربة أو حياء -إلا مَن رحم الله-.

ولا يخلو تشجيع الجماهير للاعبين في الملعب اليوم مِن الضرب على الطبول والدفوف، واستخدام المعازف مع الرقص والتمايل، والتصفيق والهتاف، والتصفير طوال المباراة، وربما لون بعضهم وجهه أو بدنه بألوان فريقه أو علم بلده، أو ارتدى الملابس المزركشة، والقبعات المبهرجة، وتكلَّف حمل الأعلام المزركشة لفتًا للأنظار وتحفيزًا للآخرين.

وأسوأ من ذلك: استخدام الهتافات التحريضية العدائية أو العنصرية، أو السب والشتم، والسخرية والاستهزاء بلاعبٍ أو فريقٍ، أو تعرض للحكام بشكل جماعي في هتافٍ واحدٍ، ومِن هذه الهتافات ما هو محاكاة لما يحصل في بلاد الغرب لفظًا أو معنى، (وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

كرة القدم والمخالفات العقائدية:

والمخالفات العقائدية في كرة القدم وتشجيعها كثيرة، منها: مبالغة الجماهير في حب اللاعبين من غير المسلمين؛ لمهارتهم في لعب الكرة، أو قدرتهم على إحراز الأهداف للفريق الذي يحبونه، وتقديم حبهم على حب غيرهم من اللاعبين المسلمين؛ لكونهم أقل منهم مهارة وقدرة، أو لكونهم يلعبون لفريق آخر لا يحبونه! فيكنون للأول الحب والمودة القلبية، والموالاة والنصرة، ويتغنون ويهتفون باسمه وإن كان كافرًا، بينما يكنون الحقد والغل والاستخفاف والازدراء للثاني وإن كان مسلمًا! (فكيف يدعي الإسلام مَن هذه حالهم، والله -عز وجل- يقول: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة:22)، ويقول: (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة:221).

فإذا كان الآباء والأبناء من غير المسلمين -وهم مِن صلة الرحم وأقواها- لا تجوز مودتهم ومحبتهم وتقديمها على محبة المسلمين؛ فكيف بمَن هم دونهم مِن الأجانب والغرباء؟! وفي الحديث المرفوع: (أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) (رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).

وغالب هؤلاء اللاعبين -إلا القليل منهم- الذين ينظر إليهم الشباب على أنهم أبطال ونجوم تُسلط عليهم الأضواء، إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن تتأمل حياتهم وتسمع أقوالهم ترى عجبًا؛ فلا علم ولا شهادات علمية، ولا دراسة جادة، ولا إنتاج مثمر، أو إضافة للمجتمع، رغم كل ما يحصلون عليه من ملايين؛ إنما هو اللعب واللهو والجري خلف الكرة ومداعبتها ليل نهار، وكل شاب يتمنى أن يكون هذا حاله أن يحصل على الأموال الوفيرة والشهرة والرفاهية باللعب واللهو، لا بتحصيل العلم والاجتهاد فيه، والإنتاج المثمر، والكد فيه.

ونحن نسأل هؤلاء:

- ماذا جنت البرازيل طوال عقود طويلة تزعمت فيها لعبة كرة القدم وهي دولة فقيرة مديونة؟!

- وهل أخرجها لاعبوها من فقرها الذي كانت عليه أم أخرجها منه العمل والإنتاج؟

- وماذا فقدت أمريكا والصين واليابان طوال عقودٍ طويلةٍ لم تحصل فيها أي منهم على أي بطولة من بطولات العالم في كرة القدم؟!

وفي هذا المعنى يقول الشاعر عن كرة القدم:

تـحتـل صـدر حيـاتـنـا وحديثها فـي كـل فـم

وهي الطريق لمن يريد خميلة فـوق الـقمم

لـهـم الجـبـايـة والعـطـاء بـلا حدود والكرم

ولعالم سـهـر الليالي عـاكـفـًا فـوق الـقـلـم

ولزارع أحـيـا المـوات فـأنبتـت شتى النعم

ومقاتـل حـرم السهاد ولم يزل رهن الحمم

بعـض الفـتـات لكي تعيش علية كرة القدم

فبفضلها سيكون هذا الجيل من خير الأمم

وبفـضلها يأتي الصباح وينتهي ليل الظلم

ويقول الشاعر عن كرة القدم:

النـاس تسهـر عـنـدها مبهورة حتـى الـصبـاح

لتشاهـد الـفـرسان يعـتركـون في ساح الكـفـاح

يعلو الـهـتاف وتملأ الآفــاق أصـوات الـصـياح

هــذا يـشـجــع لاعــبًـا هـذا جـنـاح، ذا جــنــاح

اللاعبون أسود غاب يمسحون لـظـى الـجـراح

فـيـعـانـقـون يـطـوقون الـورد أو زهـر الأقــاح

وإذا دعا داعي الجهاد وقال: حي على الـفـلاح

هـيا إلى رد الـعـدو الـمـستـكـيـن عـلـى البـطاح

غـط الـجـميـع بـنومـهم فـوز الفريق هو الفلاح

فوز الفريق هو السبيل إلى الحضارة والصلاح

والـعـلـم مـن لغو الحديث، ودربه وخز الجراح

(راجع في ذلك كتاب: "كرة القدم وأخواتها" جمع وترتيب أبي ذر القلموني ط. دار ابن الجوزي - ط. أولى 1432هـ - ص: 108 – 110 نقلًا عن كتاب: "حقيقة كرة القدم" لذياب الغامدي).

ولا تخلو أحوال المفتونين من الشباب بكرة القدم من التشبه باللاعبين الأجانب، ومَن يتشبه بهم مِن اللاعبين المسلمين في الزي والعادات والحركات و(قصة) الشعر، والتشبه بالكفار محرم، ففي الحديث المرفوع: (وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

ومِن مظاهر التشبه بغير المسلمين استخدام لغتهم ومصطلحاتهم وألفاظهم في لعبة القدم، مثل: (جول - فاول - بنلتي - كورنر - أوت - هندس - أوفسيد)، واستخدام اللاعبين لـ(فانلات) مكتوب عليها اسم مرتديها باللغة الأجنبية لا العربية، رغم أن هؤلاء اللاعبين والمشاهدين لهم عرب لا أجانب، وحرص المحبين للاعب أو الفريق على ارتداء هذه (الفانلات) بالكتابة والأسماء الأجنبية حبًّا لهم وتشبهًا بهم، بل التشبه باللاعبين الأجانب في عاداتهم وحركاتهم حذو القذة بالقذة عند إحراز هدف أو تحقيق فوز، ولو برقصة معينة أو تقبيل للأرض، أو بضرب الصدر، أو الإشارة باليد أو الأصابع، إلخ. وهذا قليل مِن كثير معلن وظاهر، يفعله الكثيرون؛ أفرادًا وجماعات بلا نكيرٍ، بل هو الاستحسان والتقدير!

وأسوأ من ذلك: اللجوء إلى السحرة والمشعوذين؛ للقيام بأعمال سحرية تضر الفرق المنافسة أو لفك ما يظنون أنه سحر مارسه المنافسون، ومثله: ذبح العجول والذبائح على أبواب الأندية لدفع نحس يلازم الفريق ويوقعه في الهزائم المتتالية!

ومثله: ارتداء اللاعبين لحظاظة أو تقبيل خشب المرمى أو هز شباكه لجلب الحظ!

ومنها: التشاؤم من بعض الأيام في الشهور أو الأسبوع أو الأعياد أو المناسبات؛ لتكرر هزائم فريقهم فيها، فتمتلئ قلوبهم خوفًا وتشاؤمًا إن كانت هناك مباراة مهمة أو حاسمة في مثل هذه الأيام، وهذا شائع معروف تغذيه الصحف ووسائل الإعلام بسرد الإحصائيات عن نتائج الفريق في مثل هذه الأيام أو الشهور أو المناسبات.

اختلاط النساء بالرجال في المدرجات:

كان أغلب الظن أن لا تقبِل النساء يومًا من الأيام على رياضة كرة القدم ممارسة أو تشجيعًا؛ فهي لعبة خشنة عنيفة، وملاعبها كبيرة تحتاج لمجهودٍ كبيرٍ، وزمن مبارياتها طويل؛ كله جري وركض، ومشاهدتها في المدرجات يعرض مَن يحضرها لسماع الشتائم والبذاءات والتطاول على الغير، ناهيك عن خروج المشاهدين حال الإثارة والانفعال عن شعورهم السوي، وهذه كلها أمور تمنع النساء منعًا مِن التعلق بكرة القدم، ويأبى مَن يتخذون من كرة القدم مهنة وصناعة إلا أن يدفعوا شعوب العالم شرقًا وغربًا إلى التعلق بالكرة، ممارسة وتشجيعًا؛ رجالًا ونساء!

وتحولت كرة القدم بالفعل في بلادنا من لعبة قاصرة على الرجال إلى لعبة تتعلق بها النساء ممارسة وتشجيعًا، وهي ظاهرة جديدة غريبة عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ فظهرت الفرق النسائية لكرة القدم وصارت لها مسابقات، واقتحمت الفتيات والنساء المدرجات يخالطن الرجال فيها، وينافسن ويزاحمن الرجال في الحماس والتفاعل، يرقصن ويتمالين ويغنين ويهتفن في انفعالٍ؛ بلا أدنى حياءٍ أو خجلٍ، متبرجات ومحجبات!

بمؤازرة وتشجيع من وسائل وأجهزة الإعلام المختلفة، وتغاضٍ أو تأييد مِن أهاليهن، فصرن يحفظن أسماء اللاعبين، ويحملن صورهن، ويتجولن بين الملاعب في شتى المدن والبلدان لتشجيع فرقهن، ولا تخلو مباراة تبث على الهواء من التجول في المدرجات لرصد هؤلاء المشجعات، وما يقمن به؛ ليراهن الجميع بلا مواربةٍ.

لقد نجح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في فرض كرة القدم النسائية من خلال اللوائح التي يصدرها والتهديد بتجميد أنشطة الاتحادات المحلية في أي بلدٍ، بل وشطب عضويته إن لم ينفذها، بل ومنع حكومات الدول من التدخل في عمل "الفيفا" أو اتحادات الكرة المحلية.

ومِن بينها: إجبار الاتحادات المحلية الأعضاء في الفيفا على إدخال الكرة النسائية في أنشطتها، والفيفا لا يعرف ولا ينحاز إلا للثقافة الغربية، ويسعى لفرضها على الجميع.

ومعلوم: أن ممارسة النساء لكرة القدم على ما هو سائد اليوم لا يليق ولا يجوز للمرأة المسلمة، ولا يتقبله مسلم غيور؛ لما فيه مِن كشفٍ للعورات، وعنف في الأداء، وإضاعة للأوقات، وكذلك لا يليق بالفتيات والنساء اختلاطهن بالرجال في المدرجات على الكيفية التي نراها في الملاعب الآن.

تكوين روابط رسمية للتشجيع (الألتراس):

انتقل الأمر من تشجيع فرق كرة القدم بصورةٍ فرديةٍ أو في جماعاتٍ صغيرةٍ غير رسميةٍ إلى تشجيع رسمي منظم دائم وممتد، لا ينقطع من خلال روابط الألتراس؛ فلكل فريق رابطته الرسمية التي تسانده أينما انتقل وحل، ولها في هذا التشجيع نظامها وكيفيتها في التشجيع، من دخول فريقها الملعب إلى الخروج منه، بأغانيها وأهازيجها، وشعاراتها وهتافاتها؛ ينضم إليها الشبان والفتيات، يجمعهم الولع بحب الفريق والتطرف في تشجيعه فائزًا متقدمًا كان أو مهزومًا متأخرًا.

يترأسهم مَن يقودهم وينظمهم داخل وخارج الملعب، ويأتمرون بتوجيهاته المتفق عليها سلفًا حسب سير المباراة، ولا يتم ذلك إلا من خلال تجمعات بكثافةٍ كبيرةٍ في الملاعب أو الميادين، أو النوادي أو المقاهي، يصعب السيطرة عليها أو منعها حال خروجها عن النظام إلا بالقوة المفرطة؛ خاصة إذا تم تسييس اتجاهاتها وتوجيهها.

وقد شهدت البلاد من ورائهم مآسي وأزمات، ففي مصر (بدأت هذه الروابط بوجه رياضي، ولكنها قامت في بعض الأحيان بأدوار سياسية واجتماعية، وخاصة قبيل الثورة المصرية في عام 2011م وبعدها، فقد ظهر (الألتراس) على المشهد السياسي المصري، وكان لهم دورهم الملحوظ في الثورة وتواجدهم في الميادين حيث شارك شباب الألتراس في فاعليات الثورة، وأصبحوا مِن أهم كتل المتظاهرين في الشارع، واستمر وجودهم في الشارع بعد الثورة لخدمة أهداف كروية وسياسية في بعض الأحيان) (راجع: "الظاهرة الكروية" مهندس أحمد الشحات ط. دار الأمل - ط. الأولى - 1441هـ - 2020م، ص 34).

ومن اللعب ما قتل:

من الأمور المحزنة في عالم كرة القدم والتي يقف الجميع أمامها مذهولين ما يقع من حالات وفاة من وقت لأخر لبعض اللاعبين أو المشاهدين في الملاعب أو المدرجات أو أمام الشاشات، فرغم الإمكانيات الطبية المتقدمة والكوادر الطبية المتخصصة، يَلقى بعض اللاعبين حتفهم المفاجئ أمام الجميع.

ومن أشهر أمثلة ذلك: وفاة اللاعب محمد عبد الوهاب من النادي الأهلي الذي سقط خلال مران فريقه في أغسطس عام 2006م مع أن عمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وكذلك وفاة اللاعب الإماراتي سالم سعد في أحد التدريبات بعد أن سقط بشكل مفاجئ على الأرض، ووفاة اللاعب التونسي الهادي بن رخيصة مدافع نادي الترجي التونسي بعد أن سقط على الأرض في عام 1995م بعد لعبة مشتركة مع مدافع الفريق المنافس وابتلع لسانه ليموت قبل أن يستطع أحد إنقاذه.

كذلك وفاة مدافع فريق الوداد يوسف بلحوجة على أرض الملعب في عام 2001م نتيجة الإصابة بأزمة قلبية حادة مفاجئة، والقائمة طويلة في كل أنحاء العالم.

ولم يسلم المشجعون أيضا من الوفاة أثناء مشاهدة المباريات من شدة الحزن، أو من شدة الفرح، فمن ذلك: وفاة المواطن فرج علي سليمان البالغ من العمر 63 سنة، وذلك أثناء مشاهدته مباراة منتخب مصر ومنتخب بوركينا فاسو في الدور نصف النهائي في بطولة الأمم الإفريقية بالجابون، حيث أصيب بأزمة قلبية تأثرًا بتسجيل الفريق المنافس لهدف في مرمى المنتخب المصري!

وتوفي ثلاثة من مشجعي النادي الأهلي بالسكتة القلبية في مباراة واحدة متأثرين بهزيمة الأهلي أمام فريق إنبي بهدف للا شيء؛ مما ترتب عليه ضياع بطولة الدوري، وحصول نادي الزمالك المنافس التقليدي على البطولة، حيث توفي اثنان منهم بعد نقلهما إلى المستشفى بعد انتهاء المباراة، أما الثالث فتوفي وسط أسرته عقب إحراز فريق إنبي الهدف مباشرة!

بينما توفي مشجع زملكاوي عقب إحراز لاعب الأهلي السابق محمد يوسف الهدف الثاني للنادي الأهلي في مرمى الزمالك في موسم 1993م - 1994م.

وعلى الجانب الآخر: توفي المشجع محمد وجدي حسين من سكان العريش، والبالغ من العمر 40 عامًا، الذي أخذ يصيح ويهتف بعد تغلب المنتخب المصري على منتخب كوت دي فوار في المباراة النهائية لبطولة الأمم الإفريقية، ولم يتحمل قلبه شدة الفرح فمات بالسكتة القلبية! (راجع في ذلك: "هدير الكرة: قصة كرة القدم من التشجيع إلى الاحتراف" مهندس أحمد الشحات، ط. دار الشباب ط. 2018م، ص: 136 - 141).