كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيعلم الجميع رفضنا لكل صور التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد يسأل البعض عن مستند ذلك فنقول:
قال الله -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة:82).
وقال -تعالى-: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:13).
وقال -تعالى-: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ . وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة:60-64).
وقال -تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:78-81).
فلسطين أرض إسلامية فتحها المسلمون في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولا يمكن لأحدٍ أن يغير صفتها، والمسجد الأقصى: أولى القبلتين، وثالث الحرمين؛ بناه على التوحيد والإسلام إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب -عليهم السلام- بعد بناء المسجد الحرام بأربعين عامًا؛ فهو مسجد المسلمين في كل زمان: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67).
والملحمة الكبرى قبل يوم القيامة بعد نزول عيسى -عليه السلام- مع اليهود الذين يتبعون المسيح الدجال، قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ) (متفق عليه).
وقد صالح النبي -صلى الله عليه وسلم- يهودَ المدينة صلحًا مطلقًا حقق به مصالح المسلمين في مجتمع المدينة، وكان اليهود هم مَن نقضوا العهد؛ فلا يُمنع مِن صلحٍ يحقق المصلحة ويحافِظ على أرض الإسلام؛ وليس صلحًا يترتب عليه نسيان الأجيال القادمة عقيدتَها وهويتها، ومعرفتها بأوليائها وأعدائها باسم: "التطبيع الثقافي"، ولا تسترد شيئًا مِن الأرض، بل يُكتفَى بوعدٍ بإيقاف مؤقت لضم الأراضي التي "لا يستحقونها" حتى حسب قرارات الأمم المتحدة.
اغتصب اليهود أرض فلسطين بـ"وعد بلفور"، الذي كان وعدًا ممَن لا يملك أن يعطي إلى مَن لا يستحق، وظُلم الفلسطينيون وأُخرجوا مِن ديارهم وأرضهم وأموالهم بغير حق، ولا بد أن ترد إليهم حقوقهم.
ولنتأمل فيما سقنا مِن آيات، والظلم الواقع على إخواننا الفلسطينيين؛ فمنذ "وعد بلفور" -والذي ما زال ممتدًا إلى الآن- والعالَم يثبِّت أركان الظلم والاغتصاب بقوانين ومواثيق جائرة تنحاز للقوي على حساب الضعيف، ويا ليتهم حتى يطبقونها، بل يضرب بها الكيان الصهيوني عرض الحائط، فتنزل على العالَم بردًا وسلامًا!
فمنهم مَن يغض الطرف، ومنهم مَن يشجب ويستنكر، أو يترجى العدو أن يؤجل عدوانه!
وهو يطلب في مقابل هذا: أن نكف عن تعلم ما نبأنا الله مِن أخبارهم أو نعلمه لأبنائنا، وأن نمكِّن عقولهم للعدو يملأها استكانة وانهزامية، في حين يربون هم أبناءهم على أن يعيشوا حياتهم من أجل حلم إقامة دولتهم الكبرى، نسأل الله ألا يمكِّنهم من ذلك قيد أنملة.
ومِن هذا المنطلق، كان موقفنا الثابت برفض كل صور التطبيع.
والله حسبنا ونعم الوكيل.