كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد نشر أحد الأفراد على اليوتيوب فيديو قديم للشيخ "ياسر برهامي" في فترة حكم "مبارك"، يجيب فيه عن سؤالٍ حول الموقف مِن رفض النظام الحاكم آنذاك جمع الزكاة، وكان السائل يستنكر: لماذا لا تجمع الدولة الزكاة وهي دولة إسلامية؟
وتضمنت الإجابة ثلاثة عناصر رئيسية:
الأول: الإشارة إلى أن الأموال العامة في ذلك الوقت تُصرف في غير وجهها، وبالتالي لا يُحبَّذ أن نضيف إليها أيضًا أموال الزكاة.
الثاني: أننا يمكننا أن نطالِب الدولة بجمع الزكاة إذا كانت حقًّا دولة إسلامية تطبِّق الإسلام، ولكن كيف نصفها بأنها دولة إسلامية في ظل أنها تمنح جائزتها التقديرية لمَن يقول: "إن الاسلام دين وضعي غرضه إحياء مجد أسرة عبد المطلب!" (والإشارة إلى منح "سيد القمني" جائزة الدولة التقديرية في أواخر عصر مبارك)، كما أنها تسمح بمؤتمراتٍ عامةٍ تصف المادة الثانية بأنها مادة عفنة!
الثالث: أن دستور الدولة ينص على أن مصر دولة إسلامية، كما تنص المادة الثانية على مرجعية الشريعة الإسلامية.
وإذا تأمل أي منصف في هذا الكلام بتمامه: علم أن وصف عدم الإسلامية إنما يُراد به ممارسات النظام الحاكم آنذاك، وأما الحكم المطلق على الدولة، فإنما يُستفاد مِن دستورها، وقد بيَّن الشيخ أنه ينص على إسلامية مصر، ومرجعية الشريعة الإسلامية.
ولكن ناشر الفيديو أهمل هذا تمامًا! وجعل عنوان الفيديو: أن الشيخ يرى أن مصر دولة غير إسلامية؛ ولذلك لزم التوضيح.
وبعد هذا، فإن ثمة نقاط أخرى لا بد مِن الإشارة إليها في هذا التوضيح، وهي:
1- أن هذا الفيديو واحد مِن أدلةٍ كثيرةٍ تبيِّن أن "الدعوة السلفية" لم تكن كما يزعم معظم خصومها -إن لم يكن كلهم- ساكتة عن منكرٍ أو مساعِدة لظالمٍ على ظلمه؛ فضلًا عن تهمٍ أخرى كثيرة، يردها للأسف بعض مَن ينتسِب إلى العلم أو الدعوة، علمًا بأن هذا الموقف كان في أواخر عصر "مبارك".
2- أن هذا الموقف مِن الممارسات الاستفزازية التي شهدتها الفترة الأخيرة مِن حكم "مبارك"، والتي كانت ذروتها تلك الجائزة التي مُنحت "للسيد القمني"، لم تمنع الدعوة السلفية ولم تمنع الشيخ ياسر برهامي نفسه مِن اتخاذ مواقف عاقلة في مواقف كثيرة ناله بسببها أذى مِن بعض الشباب المتحمس، كما يحصل اليوم.
وذلك مما يؤكِّد ويوضِّح: أن الحفاظ على بلاد المسلمين، ومراعاة المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام أصل لم تحد عنه الدعوة يومًا مِن الأيام، وأنها حتى في ظل أوج انتقادها للنظام الحاكم، ولو كان في قضية: كمنح جائزة الدولة لرجلٍ يقول هذا المنكر الفظيع، لا تتوانى قط عن أي تصرف يحفظ أمن البلاد والعباد، ويغلق أبواب الفتن.
3- رغم هذا الموقف المتزن تمامًا مِن الجمع بين إنكار المنكر والحفاظ على استقرار الدول، فإننا نؤكِّد: أننا ننقِّح موقفنا مِن الدولة القُطرية الحديثة؛ لا سيما بعد إعادة تأكيد مرجعية الشريعة في الدستور وزيادته توضيحًا، ومِن آخر ذلك موقف البرلمان المصري في التعديلات الدستورية الأخيرة من النص على الرفض الصريح للعالمانية في ثنايا تفسير لفظ: "المدنية".
وقد سجلت شيئًا مِن هذا في مقالة لي بعنوان: "العلاقة بين الدين والدولة في الدولة المصرية الحديثة":
http://fath-news.com/art.php?id=415
ونرجو أن تكون الصورة قد اتضحت بذلك لكل منصفٍ.
ونسأل الله أن يهدينا إلى ما اختلف فيه مِن الحق بإذنه.