الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 31 يناير 2019 - 25 جمادى الأولى 1440هـ

دعوة إلى الإلحاد والعمل المسلح (رؤية نقدية لفيلم قناة الجزيرة: في سبع سنين)

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مدخل:

شاهدتُ الفيلم الوثائقي الذي أنتجته "قناة الجزيرة القطرية" تحت عنوان: "في سبع سنين"، والتي زعمتْ أنها تحاول مِن خلاله أن ترصد التحولات الفكرية والاجتماعية في مصر بعد ثورة 25 يناير!

حسنًا... فالهدف في حدِّ ذاته لا غبار عليه، بل قد يكون على درجةٍ مِن الأهمية؛ خاصة لكلِّ مَن يتصدَّى لعلاج مشكلات المجتمع وأزماته، لا سيما في جيل الشباب.

والأمر الثاني: أن أيَّ مراقبٍ للوضع العام في مصر -وفي غيرها مِن البلاد العربية والإسلامية- يتأكد لديه أن هناك بالفعل تطورات وتغيرات طرأت على البنية الأخلاقية والثقافية لعددٍ مِن الشرائح والطبقات داخل المجتمع، ويقع الشباب أيضًا في القلب مِن هذه التغيرات.

هذه القناعات جعلتني لا أتخذ مِن الفيلم موقفًا متشنجًا أو متصلبًا قبْل رؤيته؛ فلعل "قناة الجزيرة" تتحفنا بعملٍ منصفٍ وموضوعيٍ -ولو على سبيل الندرة!-، ولكني صُعقت بعد أن شاهدت الفيلم وأعدت رؤيته أكثر مِن مرة، ورغم أن الناقد لا بد أن يكون حانيًا بقدر ما يكون حازمًا؛ إلا أن ما استقر في نفسي بعد مشاهدة الفيلم أنه ليس رصدًا أمينًا للتحولات المجتمعية بقدر ما هو دعوة صريحة للكفر والإلحاد والتمرد على القيم والثوابت!

وكما أن التمرد والثورة على المألوف قادت بعض الشباب المتدين إلى الإلحاد، فإن التمرد ذاته قاد البعض الآخر إلى حمل السلاح والانضمام إلى التنظيمات المسلحة خارج البلاد.

وهكذا كانت عين قناة الجزيرة، التي لم ترَ في مصر إلا نموذجين متطرفين:

الأول: خرج مِن الإيمان إلى الكفر.

والثاني: انتقل مِن الاعتدال إلى التكفير؛ أما آلاف المساجد وملايين المصلين، والشباب الملتزم الذي يملأ المدارس والجامعات؛ فإن عين الجزيرة لم تشأ أن تنظر إليهم أو تعتبر وجودهم!

مقدمة:

بدأ الفيلم بالحديث عن المقولة الشائعة: "الشعب المصري متدين بطبعه"، وأن الشعب المصري هو أكثر شعوب العالم تدينًا، واستشهد الفيلم بإحصاء "مؤسسة جالوب الأمريكية للأبحاث"، حيث ذكرتْ في عام 2009 أن 80% مِن نساء مصر محجبات، ثم خاض بنا الفيلم رحلة مريبة لمدة 60 دقيقة، انتهى منها إلى أن الإحصائيات التي قام بها مركز الجزيرة في عام 2017م تؤكِّد أن حالة التدين في المجتمع المصري قد انتكست وتغيرت للأسوأ.

فوفقًا للجزيرة فإن الشباب مِن سنِّ (18 – 35) عامًا، تبلغ نسبة الملحدين فيهم 4% واللاأدرية 6. 5%، بينما 24% لا يعتبرون الحجاب فرضًا دينيًا، أما الذين يؤيدون العمل المسلح ويرونه حلًا وحيدًا للتعامل مع السلطة فتبلغ نسبتهم 11%، وكفى بهذه النسب إثباتًا لحجم الخطر على المجتمع، وتأكيدًا للتغير على المجتمع "المتدين بطبعه" -كما ذكر الفيلم في أول مشاهده-.

في البداية: نود التأكيد على أن هناك تحولات عنيفة طرأت على البنية المجتمعية المصرية خلال السنوات السابقة، ومَن يتجول في ساحات الكليات والجامعات والمنتديات الشبابية على السوشيال ميديا وغيرها، يدرك حجم التغير الذي طرأ على هذا الجيل مِن الشباب، وليس مِن العقل أن نتعامى عن الواقع أو ندفن رؤوسنا في الرمال، لكن الخلاف مع قناة الجزيرة يتمثِّل في عددٍ مِن المحاور كما يلي:

1- دور قناة الجزيرة في التثوير خلال سبع سنين.

2- الأدوات التي اعتمدت عليها الجزيرة في رصد الظاهرة.

3- النسب التي توصلت إليها في الدراسة المبهمة التي قامت بها.

4- الانتقائية في رصد التحولات بما يوحي بأن التحولات كلها سلبية وضارة.

5- الجرأة في عرض الانحرافات دون تعقيب أو ردٍّ.

6- غياب الحلول المقترحة للتعامل مع الحالة.

أولًا: دور قناة الجزيرة في التثوير خلال سبع سنين:

الثورة عبارة عن حالةٍ مِن حالات الخروج عن النسق، ولأن الثورات في معظمها تكون أسبابها سياسية، فالثورة عادة ما تخرج عن الإطار القانوني والسياسي للنظام بغرض تعديله أو تغييره أو لأي هدفٍ آخر، ثم تعود الحياة لتنتظم مرة أخرى، فليس مِن المنطقي أن تعيش الشعوب في حالةٍ مِن الفوضى والعشوائية وإلا تحول الوطن إلى غابة.

ولكن كثيرًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فربما لا يسقط النظام، وربما لا يعود النظام المجتمعي كما كان قبْل الثورة مستقرًا وهادئًا، وعلى أحسن الأحوال تنتقل حمى التثوير لتقتحم مساحات لا يجوز فيها الثورة، مثل الثورة على الدين والقيم والأخلاق، ومثل شيوع روح التمرد والتحرر مِن كل شيء، ومثل الانفتاح غير المحدود على الثقافات والأفكار والأيدولوجيات؛ لذا فإن كل مذهبٍ أو فكرٍ يرى في الثورة فرصة ذهبية للتمدد والانتشار والتجنيد المفتوح.

هذه أقل الآثار السلبية المترتبة على اندلاع الثورات؛ لذلك يتأنى دعاة الإصلاح كثيرًا وهم يتعاملون مع مثل هذه النوازل لمعرفتهم بنتائجها وعواقبها، ولكن العجيب أن تأتي قناة الجزيرة الآن لترصد لنا التغيرات التي حدثت في مجتمعاتنا، وهي كانت -ولا تزال- المحرِّض الأول على التثوير الدائم، والمواجهة المستمرة؟!

هل تدرك الجزيرة الآن وهي ترتدي ثوب الناصح المشفق أن خطابها الإعلامي وبرامجها الموجهة كانت أحد أهم الأسباب التي دفعت الشباب إلى ارتياد هذه الطرق المنحرفة؟!

ألم تكن الجزيرة محرضًا أساسيًّا على العمل المسلح، وداعية مباشرة إلى العنف والتطرف، وكانت شاشاتها لا تمل مِن نقل فاعلياتٍ مزورةٍ ومكذوبةٍ مِن كافة أنحاء الجمهورية؛ لتوهم المشاهدين في بيوتهم أن الثورة ساخنة وأن الميادين مشتعلة، بينما إذا تركت الشاشة ونزلت بنفسك إلى الموقع المشار فربما وجدت بضعة أشخاص في ممر جانبي أو زقاق، وربما لم تجد أحدًا، بينما تظل شاشة الجزيرة طوال اليوم تعرض المشاهد وتتلقى المكالمات وتستقبل الضيوف، والجميع يؤكد أن الثورة مستمرة وأن النظام يترنح؟!

فهل تقبل الجزيرة أن نتهمها بأنها أحد مِن شارك في صناعة هذا التغير السلبي الذي طرأ على الشعب المصري، أم أنها لا تجيد سوى الهجوم وإلقاء التهم فحسب؟!

ثانيًا: الأدوات التي اعتمد عليها الفيلم في رصد الظاهرة:

قام الفيلم بالتسجيل مع شابين وفتاتين، الرابط بينهم جميعًا أنهم مِن أسرٍ متدينة، بل كانوا منتمين في الأغلب لجماعاتٍ أو تياراتٍ دينيةٍ.

فالشاب الأول "حسن": كان منتميًا إلى جماعة الإخوان، وكان مِن أسرة إخوانية عريقة، وكان مرشحًا بقوة أن يكون حسن البنا الثاني -كما ذكر!-.

والشاب الثاني: شاب جامعي من مؤسسي أسرة صناع الحياة في جامعته، وكان مِن فريق الأستاذ "عمرو خالد".

أما الفتاتين: فالأولى: "سُنَّة" كانت تنتمي إلى التيار السلفي، ومِن أسرة متدينة، وكانت تحضر دروس العلم في المساجد، وذكرت أنها ارتدت النقاب في سنِّ 16، بكامل حريتها واختيارها.

أما "إسراء": فقد ارتدت الحجاب في سن 11، بكامل حريتها أيضًا، وكانت متدينة تدينًا عامًّا دون الانتماء لأيٍ مِن الجماعات أو الأحزاب.

وبالتالي: فمخرج الفيلم أراد أن يحصر كل صور التدين التي كانت منتشرة بيْن الشباب في ذلك الوقت، فهناك المتدين دون انتماء، وهناك المتدين بنكهةٍ منفتحةٍ: "مثل عمرو خالد"، وهناك المتدين المنتمي لجماعة: "مثل السلفي والإخواني"، وكما أنهم اتفقوا في مبدأ التدين، فقد حرص المخرج على أن يتفقوا في المآل والنتيجة، وللأسف كانت النتيجة واحدة وهي الخروج مِن الملة!

فالفتاة السلفية المنتقبة خلعت الحجاب تمامًا، وقالت عن نفسها: "إنها غير مسلمة!"، وإنها غير متخيلة لوجود الرب -سبحانه وتعالى-!

بينما الفتاة المتدينة بطبعها خلعت الحجاب أيضًا، وقالت عن نفسها: "إنها كافرة!".

أما الشاب الإخواني الذي كان مرشحًا أن يكون حسن البنا؛ فقد حرص المخرج على تصويره مرة وهو يشرب الدخان، ومرة وهو في البار، وقد انتهى به الأمر إلى الإلحاد وإنكار وجود الرب، والرابع الذي كان مِن أسرة صناع الحياة تحول إلى مرحلة الشك وصار "لا أدريًّا!".

وفي آخر دقيقتين من الفيلم تعرّض المخرج لتجربة شاب مسيحي، كان معتادًا على الخدمة في الكنيسة والذهاب لها بانتظام، ولكنه تحول أيضًا وأصبح "ملحدًا".

وفي الجزء الأخير مِن الفيلم قام المخرج بالتصوير مع ثلاثةٍ مِن الشباب ممَن تحولوا إلى العمل المسلح، وحرص أيضًا على أن يسجِّل معهم في مخابئهم وثكناتهم، وهم بملابسهم العسكرية ويحملون رشاشاتهم وذخيرتهم الحية، بل قام بالتسجيل مع أحدهم في ساحة المواجهة خلف أكياس الرمل!

وسبب تحول هؤلاء الشباب إلى العمل المسلح متفاوت بين إعلان 3/7 وما بين فض رابعة 14/8، وما بين أحداث مسجد الفتح برمسيس 16/7، وما بين الاعتقال والتعذيب.

وبالتالي فالمخرج هنا محدد الهدف تمامًا، فالرجل يريد مِن الشباب الآن إما أن يكونوا ملحدين منسلخين عن الدين والأخلاق والقيم؛ ولذا حرص على تصوير الشاب وهو يشرب الخمر في البار، أما الفتاة فتلبس البنطال الضيق وتطلق شعرها في الهواء، أما مَن لا يناسبه أن يشرب الدخان أو تلبس البنطال، فلتخرج أو فليخرج من "القرية الظالم أهلها"، ولينضم إلى عصابات السلاح التي تمتهن القتل هنا وهناك باسم الجهاد!

ولا مجال للحديث عن شباب صالح أمين يبحث عن الخير لدينه ولأمته ووطنه، فالمخرج لا يريد أن يُبقي لهذا الشباب نسبة أو تأثيرًا، وسوف ينخدع المشاهد باللقطات التمثيلية والمشاهد المختارة بعناية، فيظن أن هذا هو الواقع، وما عليه إلا أن يختار أحد هذين الطريقين! وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

ثالثًا: النسب التي توصّل إليها الفيلم:

ربما يقول قائل: أنا أعرف فلانًا ترك الالتزام تمامًا، وآخر ترك الدين بالكلية، وربما تقول قائلة: أعرف مَن خلعت الحجاب أو النقاب، أو مَن أصبحت تؤيد العلاقات التحررية المفتوحة، وربما، وربما.. وأنا أقول إني أعرف أمثلة على ذلك أيضًا، ولكن كم النسبة؟ وما هي الأرقام الصحيحة؟ وهل هناك حالة مِن حالات الردة في المجتمع -إن صح التعبير-؟ وهل أصبحت العلاقات الجنسية على المشاع والعلن في طبقات الشباب المختلفة؟!

إن الذي يرصد الظاهرة مِن أجل وضع الحلول لا بد أن يكون دقيقًا وأمينًا، أما مَن يرصد الظاهرة بغرض الدعوة إليها والترويج لها -كما فعل مخرج الفيلم-؛ فإنه يميل إلى المبالغة والتهويل.

ويبقى أن الدراسة التي قامتْ بها الجزيرة دراسة مبهمة لا يمكن الثقة في نتائجها، فالدراسة لم توضِّح لنا طبيعة العينة التي تم إجراء الاستبيان على أساسها، فالدراسات الميدانية لا بد أن تكون معلنة وموثقة ومحكمة، فأين هي الدراسة، وأين البيانات وكشوف الاستطلاع، وأين جهة التحكيم والاعتماد؟!

إذا لم يكن كل هذا معلنًا، فالنتائج التي توصلت إليها الدراسة هي والعدم سواء.

رابعًا: الانتقائية في رصد التحولات:

التحولات في أعقاب الثورات مِن المسلَّمات المقطوع بصحتها، ولكن هل كانت كل التحولات المجتمعية سلبية وقاتمة إلى هذه الدرجة، أم أن المخرج هو الذي قرر أن تكون كذلك؟! هل تجاهلت عدسة المخرج نسبة الوعي والنضج لدى شباب هذا الجيل عن سابقه، حيث إنه أصبح قادرًا على التمييز بيْن أنواع الخطاب، وأساليب التوجيه، وطرق التأثير سواء في المجال الدعوي أو السياسي.

هل تغافلت دراسة المخرج الميدانية عن شرائح مِن الشباب تُقبل على الالتزام، وتسعى لتعلم العلم، في الوقت نفسه الذي يعاني فيه آخرون مِن الإحباط واليأس وضبابية الرؤية؟! هل رصد المخرج نسبة الإقبال على التسجيل في برامج الدراسات العليا في مختلف الجامعات؟!

الشاهد: أن هناك بالفعل تحولات سلبية وخطيرة طرأت على عالم الشباب تحتاج منا إلى الإسراع في برامج علاجية، وخطط وقائية تحمى الشباب والفتيات مِن الانحراف بكل أنواعه، كما أننا نحتاج إلى السعي الدائم نحو استزراع الخير ونشره وتوسيع رقعته.

خامسًا: الجرأة في عرض الانحرافات وتجميل صورتها:

كما هو معلوم فالفيلم المعروض مسجل وممنتج سلفًا؛ بمعنى أنه ليس على الهواء، فكل كلمة جاءت في ثنايا الفيلم مقصودة ومرادة.

والملاحظ: أن الفيلم مكتظ بعددٍ مِن الشبهات التي يثيرها الملاحدة، ومكتظ كذلك بعددٍ مِن المفاهيم المغلوطة التي تؤدي إلى الانحراف الفكري أو السلوكي.

فالفتاة المنتقبة: ارتدت النقاب على أنه حماية لها، لكنه لم يحميها، بل تعرضت للضرب والإيذاء مِن مجموعة مِن الشباب داخل المترو، فاهتزت ثقتها فيما تعتقد فخلعته! أما تركها للدين فكان بسبب زوجها الذي كان يعاملها بشكلٍ سيئ ويقوم بضربها وإيذائها!

ولا أدري ما هو الرابط بيْن هذا الأمر وبين أن تترك الدين بالكلية، لينتهي بها الأمر إلا أنها غير متخيلة لوجود الرب، وغير قادرة أن تتحدث إليه؟!

والشاب "حسن": كان إخوانيًّا خالصًا، ولكن مات أصدقاؤه وأقرباؤه في أثناء مواجهات الإخوان مع الدولة في أحداث المنصة، وفض رابعة، وغيرها، وكانت الصدمة الكبرى موت شقيقه الأكبر في أحداث رمسيس، ففقد الثقة في كل شيءٍ وفي كل أحدٍ، فقرر أن يخرج مِن الإخوان، ولكنه لم يكتفِ بذلك فقرر أن يخرج مِن الإسلام أيضًا، وأشار الفيلم أنه يتحدث عن الذات الإلهية بشيءٍ مِن الحدة والسوء.

والشاب الثاني: لم يكن لديه كبير أزمة سوى أنه رأى الأستاذ عمرو خالد دون مستوى الحدث في التعاطي مع المواقف السياسية، وأنه كان ينتظر منه موقفًا إيجابيًّا وواضحًا، فإذا به يلوذ بالصمت؛ فقرر الشاب أن يبدأ مرحلة الشك حتى يصل إلى الإيمان، وأفسح له البرنامج أن يؤصِّل إلى الإلحاد فيقسِّم الناس إلى أربعة أقسامٍ: "مؤمن، وملحد، زلا أدري، ولا اكتراثي"، ثم يترك المشاهد بعد ذلك أمام عاصفة مِن التساؤلات والألغاز.

أما "إسراء": فرغم أنها لم يكن لديها مشكلة مع الحجاب ولا مع الجماعات، حيث إنها لم تكن منتمية لأحدٍ، إلا أنها وهي تتحدث في إحدى الفاعليات السياسية عن الحرية، وتشجع الشباب على الخروج مِن أسر الظلم، أوحى لها شيطانها أن الحجاب نوع مِن الأسر، وأنه لا يستقيم أن تتحدث عن الحرية بينما هي أسيرة للحجاب، وحتى يتشجع الفتيات على تقليدها، حرص المخرج على أن يسلط الضوء على الصعوبة النفسية التي مِن الممكن أن تواجه أي محجبة قررت أن تخرج للطريق بلا حجابٍ، وذكرتْ أنها ترددت وبكت وخافت مِن تعليقات المحيطين، وسهام الناقدين.

ولكن ما أن تغلبت على هذه الصعوبة حتى انطلقت نحو الكورنيش وشعرها يطير في الهواء، وكانت هذه اللحظة أسعد لحظات حياتها، وكأن المخرج يرسم للفتيات خطة عملية لخلع الحجاب!

ولم تذكر "إسراء" لماذا أصبحت "كافرة" سوى أنها رأت أن موقف الإسلاميين مِن أحداث محمد محمود مخزيًا، فالتحقت بإحدى حركات اليسار، ومِن هنا تركت الدين! كما أنها نظرت إلى الشرِّ والحروب والفقر والظلم، فوجدت أنه يستحيل أن يسمح الرب بهذا كله، وبما أن كل هذه الشرور موجودة بالفعل، فالرب إذًا غير موجود!

وعلى الجانب الآخر: فقد نقل الفيلم كلمات الشباب الذين توجهوا إلى العمل المسلح، فمنهم مَن يصف المجتمع بأنه فاسد وسيئ وراضٍ بالظلم، وآخر يصف المجتمع بأنه ينطبق عليه وصف القرية الظالم أهلها، وآخر يعلن أن السلاح لا يُواجَه إلا بالسلاح، وما دامت الدولة تواجهنا بالسلاح، فلا طريق سوى المواجهة المسلحة، فإما التغيير، وإما الموت.

ولم يفُت المخرج أن يبرِّئ الإخوان مِن تهمة العنف، بل ردد الكلمة الشهيرة: "انتهى عصر السلمية"، وأن إصرار الإخوان على السلمية هو الذي أدَّى بنا إلى هذه الحالة!

والطريق مِن وجهة نظرهم هو في الخروج من البلد وحمل السلاح، والانضمام إلى التنظيمات المسلحة مِن أجل القتال، فالعودة إلى الحياة الطبيعية أصبحت غير ممكنة -وفق تعبيرهم!-.

سادسًا: الحلول التي قدَّمها الفيلم للتعامل مع الواقع:

الفيلم -كما ذكرنا- اكتفى بتسليط الضوء بقوةٍ على الانحرافات، وتركها بلا إجاباتٍ، بل سعى لتجميلها في بعض الحالات، مثل موقف الفتاة التي خلعت الحجاب وشعرت بالانطلاق والحرية؛ فهل التزم الفيلم بأن يقدِّم الرد على الشبهة مثلما بذل جهده في عرضها وتزيينها؟!

هل وضَّح للفتاة المنتقبة أن تعرضها للإيذاء على يد مجموعةٍ مِن السفهاء لا يدفعها إلى ترك ما أمرها الله به، ولو كان الإيذاء مسوِّغًا لترك الواجبات وفعل المحرمات لما عبد الله على ظهر الأرض أحد، كما أن المصائب يقدِّرها الله على العباد؛ ليختبر صدق إيمانهم، ويرفع بها درجاتهم، فليس مجرد موت أخٍ أو صديقٍ أو قريبٍ يدفع الإنسان إلى الخروج مِن الدين.

وليس وجود الشر والفساد في الأرض دليلًا على غياب الرب -جلَّ وعلا-؛ فالملائكة عندما قالوا لربهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) قال لهم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)؛ فهذا الشر غير خافٍ على الله -عز وجل- فهو العليم الخبير، ولكن قدَّر الله وجوده ليميز الخبيث مِن الطيب، ومع ذلك فالله لا يرضى عن الظلم أو الكفر، ولا يحب الظالمين ولا الكافرين، ولم يأمر الله أحدًا بذلك، بل أمرنا جميعًا بالعدل والبرِّ والإحسان.

أما مَن اقتنعوا بأن المواجهة بالسلاح هي الحل، فيكفيهم أن ينظروا في مآلات هذا الطريق عبْر التاريخ؛ فضلًا عن أن يعلموا خطأ هذا الطريق مِن الناحية الشرعية، وأن هذه المواجهات التي تتم في البلاد الإسلامية مع السلطات والأنظمة ليس هي الجهاد الذي يحبه الله ويرضاه؛ فالجهاد يكون مع الكفار المعلوم كفرهم، لا الذين نكفِّرهم بأهوائنا ثم نستحل قتالهم وقتلهم!

وكان مِن الممكن التماس بعض الدوافع الخَيِّرة لصناع الفيلم؛ إذا توازنوا في عرض القضية، أو ردوا على ما أثير مِن شبهاتٍ، ولكن الفيلم انتهى بمشهدٍ يبعث على الإحباط واليأس مِن الإصلاح، مع انعدامٍ للثقة وتشجيع للثورة على الثوابت، وزرع الشك في المعتقدات، وأنه ليس هناك أمل في العلاج أو الخروج مِن الأزمة؛ فإما أن تصبح منحلًا، أو تصبح متطرفًا؛ فهذان هما الخياران اللذان حَصَر فيهما المخرجُ طريقَ الخلاص!

 وإنا لله وإنا إليه راجعون.