كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل حديثنا في هذا الجزء مع الأدب السادس مِن آداب الحوار بعد أن أوضحنا سابقا خمسة آداب مِن آداب الحوار متمثلة في:
1- الإخلاص والإنصاف عند المحاورة.
2- الإلمام بالمسألة المتحاور فيها.
3- تحديد موضوع النقاش وتحرير محل النزاع فيه.
4- الحرص على التكافؤ بيْن المتحاورين.
5- فهم كلام الطرف الآخر فهمًا صحيحًا.
وها نحن نشرع الآن -بإذن الله وعونه- في ذكر الأدب السادس.
?- الابتعاد في الحوار عن الأسباب المؤدية إلى سوء الفهم:
يحدث غالبا أثناء الحوار أن يقع أحد المتحاورين أو كلاهما في أخطاء أو أفعال تتسبب في سوء الفهم بينهما وعدم الخروج بحقيقةٍ صادقةٍ عن الحوار عند المتابعين، وقد تكون هذه الأفعال متعمدة يريد منها أحد المتحاورين إرسال رسائل سلبية عن محاوره (أو) عفوية تؤدي إلى عدم الوصول للهدف المطلوب مِن الحوار الدائر.
هذه الأخطاء تتمثل في عدة أمور، منها:
- الاجتزاء مِن الكلام:
كأن يأخذ أحد المتحاورين جزءًا مِن الكلام ويترك أجزاءً أخر، فتجده يأخذ طرفًا مِن الحديث ثم ينهال في الهجوم أو الدفاع قبْل أن يسمع بقية الكلام، بينما قد يكون ما رد عليه موجود تفصيله وبيانه في بقية الكلام الآخر، ولو أنه تأنى وسمع الباقي مِن الكلام لوصل إلى الحق المنشود، أو قد يتعمد أحد المتحاورين اجتزاء بعض الكلمات مِن السياق ليحاج بها محاوره أمام المتابعين، وهذا مِن دلائل عدم الصدق والإنصاف.
- الاستماع إلى أقوال الآخرين بخلفيات ذهنية معدة مسبقًا:
كأن تسمع عن شخص أشياء ثم تأتي تتناقش معه، فتفسِّر كلامه بناءً على ما سمعته عنه، وقد يكون ما سمعته عنه غير دقيق ولا صحيح، فتبدأ مِن باب اتهام النيات تفسِّر كلامه على ما في ذهنك أنت، ولا تتجرد بحيث تفهم كلامه على حقيقته، وهذا أمر يجب التحرز منه؛ لا سيما وأن الإنسان لا يخلو مِن خلفيةٍ معينةٍ عند النقاش مع أي شخص.
- الاختلاف باستخدام الألفاظ والمصطلحات أو تعمد استخدام ألفاظ مختلف فيها:
لابد مِن ضبط وتفسير المصطلحات والألفاظ المستخدمة في النقاش؛ لأن الألفاظ والمصطلحات هي في الحقيقة قوالب المعاني، وهذه المعاني إذا لم تُحكم ألفاظها واصطلاحاتها أثر ذلك تأثيرًا كبيرًا على المفاهيم.
وإذا اختلفت المفاهيم انعدمت أسس الحوار وصار الحوار جدالًا عقيمًا.
وقد جاء القرآن الكريم بالحث على ضبط الألفاظ وتحريرها وتجنب الألفاظ المحتملة الموهمة لعدة معاني؛ وذلك حتى لا يفهم غير مقصودها فتكون وسيلة للتشغيب أو سوء الاستغلال مِن المخالِف كما في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:104).
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "في هذه الآية دليلان: أحدهما: على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغضِّ... ".
- وكذلك قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومعرفتنا بلغات الناس واصطلاحاتهم نافعة في معرفتنا مقاصدهم، ثم نحكم فيها كتاب الله -تعالى-، فكل مَن شرح كلام غيره وفسَّره وبيَّن تأويله؛ فلابد مِن معرفة حدود الأسماء التي فيه" (مجموع الفتاوى).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.