كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل حديثنا في هذا الجزء مع الأدب الرابع مِن آداب الحوار بعد أن أوضحنا سابقًا ثلاثة آداب مِن آداب الحوار متمثلة في:
1- الإخلاص والإنصاف عند المحاورة.
2- الإلمام بالمَسّألة المتحاور فيها.
3- تحديد موضوع النقاش وتحرير محل النزاع فيه.
وها نحن نشرع -بإذن الله وعونه- في ذكر الأدب الرابع.
4- الحرص على التكافؤ بيْن المتحاورين:
ويقصد بذلك مراعاة المرتبة العلمية والثقافية، وكذلك القدرة العقلية، ودرجة الفهم بيْن طرفي الحوار والمناظرة.
فلا يمكن أن يستقيم حوار أو مناظرة بين عالم وجاهل؛ لأن الغلبة في الأعم الغالب ستكون للجاهل بتشغيبه وعلو صوته وتلبيسه بذلك على المستمعين.
فالجاهل عدوٌ لنفسه قبْل أن يكون عدوًّا غيره، فلا تستطيع أن تكمل معه حوارًا لجهله، ولا يُجنى مِن محاورته إلا ضيق النفوس وزيادة النفور، مع ما يكون في الحوار مِن طمسٍ للحق، مع ضياع الاستفادة المرجوة مِن الحوار سواء للمتحاورين أو الحاضرين أو السامعين.
وفي ذلك يقول الشافعي -رحمه الله-: "ما ناظرتُ عالمًا إلا غلبته، وما ناظرني جاهل إلا وغلبني".
وقد صدق -رحمه الله- في ذلك.
فحال حوار العالم مع الجاهل كما قال القائل:
لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتني أو كنت تعلم ما تقول عذرتك
لكن جهلت مقـالتي فـعـذلـتني وعـلمـت أنك جاهل فعـذرتك
وقد أوصى الله -عز وجل- في كتابه الكريم بمثل هذا حين وصف عباده العلماء الأولياء في تعاملهم مع الجاهلين، فقال -تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص:55).
قال البغوي -رحمه الله- في تفسيره: "ليس المراد منه سلام التحية، ولكنه سلام المتاركة" اهـ.
فدلَّ ذلك على أهمية الإعراض عن الجاهلين، وضرورة المكافأة العلمية بين المتحاورين لبيان الحق المنشود.