الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 07 مايو 2017 - 11 شعبان 1438هـ

حكم مَن يحرِّض الكفار على العدوان على المسلمين وقتالهم "اضرب يا بوتين!"

السؤال:

1- نريد أن نعرف الموقف الشرعي مِن الدعوات التحريضية لروسيا على الثأر والانتقام مِن تركيا والاعتداء عليها بعد إسقاط إحدى طائراتها بالقرب مِن حدود تركيا حيث إن البعض يطالب بذلك، والبعض الآخر خرج على إثر ذلك يفتي بكفر كل مَن قال: "اغضب يا بوتين" مِن الإعلاميين وغيرهم، وحَكمَ بكفر كل مَن حرَّض على ضرب تركيا، وبناءً على ذلك فقد اختلفت الآراء ما بيْن مؤيدٍ "لأردوغان" وتوجهاته، ومكفـِّر له لدعوته إلى العلمانية وحكمه بها في تركيا، ومبغض "لأردوغان" يخالفه ويحرِّض روسيا على غزو بلاده وقتاله كما تقاتل روسيا "داعش" في سوريا، فما هو الموقف الصحيح في ذلك؟ وهل هذا بالفعل كفر أكبر وخروج عن الإسلام؛ لأن هذا موالاة للكافرين، وتمني انتصار الكفار على المسلمين حكمه الكفر المخرج مِن ملة الإسلام، أم أن هناك احتمالاتٍ واردة تمنع مِن التكفير أو عذر بالجهل مثلاً أو ما شابه ذلك؟

2- ما موقف الدعوة السلفية وأهل السنة والجماعة مِن "أردوغان" ومواقفه البطولية وانتصاره للشريعة، والتدرج في فرضها على الواقع؛ لأن الناس منقسمون فيه جدًّا فالسلفيون يحذرون منه والإخوان يمدحونه جدًّا؟

3- هل يصح أن نصف منهج "الإخوان" ومنهج "أردوغان" بأنه منهج إسلامي؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا يجوز لمسلم بحالٍ أن يتمنى أو يفرح بضرب أو قتل كافر لمسلم؛ فضلاً عن أن يأمره بذلك أو يحرِّضه عليه لعداوةٍ بينه وبيْن المسلم، ونحن نختلف مع "أردوغان" مِن أجل دعوته للعلمانية حين أتى إلى مصر -وهو يطبقها-، ومِن أجل موقفه مِن اختيار "خيار الصدام" المؤدي إلى الفوضى في مصر مع أنه لم يختره قط لبلاده!

ومع ذلك؛ فلا يمكن أن نرضى ولا نفرح، ولا أن نطالِب "روسيا الكافرة" أن تعتدي على "تركيا"، وكذلك لا نكفـِّره -كما يصنع البعض-، بل هو متأول تأويلاً يَمنع مِن تكفيره، ولا يصح أن يُقال عمن يدعو للعلمانية والليبرالية أن منهجه إسلامي مِن أجل مواقف عادلة وقوية في نصرة المستضعفين المسلمين، بل نقبل منه الحق ونرد عليه الباطل.

كما لا يصح أن نقول عمن يدعو لتكفير المسلمين وقتلهم وتخريب بلادهم بأن منهجه إسلامي، بل هو مِن أهل البدع والضلال "وإن رفع راية الإسلام"؛ فمَن كان "مِن الإخوان وحلفائهم" كذلك؛ فهو مبتدع منحرف "ولو انتسب إلى السلفية".

أما الإعلاميون وغيرهم الذين يحرِّضون روسيا على ضرب تركيا؛ فهم بذلك على ضلال وموالاةٍ محرمة لأعداء الله المعتدين على بلاد المسلمين.

لكن التكفير بمثل هذا لا بد فيه مِن تفصيل:

فلو أن مسلمًا ظالمًا أو مبتدعًا ضالاً يَقتل المسلمين ويؤذيهم أعظم الأذى دخل في معركة مع كفار؛ فتمنى مسلم آخر أن يقتلوه ليستريح المسلمون مِن شره "لا لحب علو الكفر على الإسلام"؛ لم يكن هذا المسلم كافرًا، وإن كان مخطئًا.

فكثير مِن المسلمين مِن أهل السنة في العراق وإيران لا يملكون لأنفسهم تجاه ما يفعله الشيعة بهم إلا أن يتمنوا أن يتسلط الغرب أو غيرهم على إيران ليتخلصوا مِن شرهم، وكثير مِن المسلمين في سوريا الذين اصطلوا بـ"نار داعش" لا يملكون إلا أن يفرحوا بضربهم في سوريا ليتخلصوا مِن قتل رجالهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم، وإن كان الواجب على المسلم أن يفرح ويتمنى أن يتولى المسلمون مِن أهل السنة كفَّ هؤلاء المجرمين، ولا يتمنى تسلـُّط كافر على قتل مسلم، لكن بالقطع لا يكون هذا الفرح ولا حتى الطلب كفرًا؛ لأنه إنما كان بسبب عداوةٍ بينه وبيْن الظالم المبتدع، وأما إذا كان يفرح ويتمنى ظهور الكفار على المسلمين رغبة في ظهور الكفر على الإسلام؛ فهذا كفر بلا شك.

وأذكِّر مَن يتكلم في هذا الموضوع كلامًا مطلقًا وبالأدلة العامة دون بيانٍ لضوابط استعمالها، وينزلها على واقع مخالفٍ لما نزلتْ فيه "ولا حتى مشابه" - أذكِّرهم بفتاوى المشايخ ابن باز والعثيمين -رحمهما الله- وغيرهما إبان "حرب تحرير الكويت" -كما سُميت-، والتحالف الذي وقع بيْن دول إسلامية ودول غربية كافرة تضرب الجيش العراقي الذي لا يمكن تكفيره بالعموم -ولو كفـَّروا صدام وقتها-؛ فكان الفرح بانتصار هذا التحالف، وكان تحت قيادة عربية غربية وأمريكية، وكل الكويتيين والسعوديين قد فرحوا بذلك مع أنه كان متضمنًا لقتل مسلمين عراقيين لا يعلمهم إلا الله؛ فهل كان هذا كفرًا؟! لم يقل بذلك إلا أهل البدع والانحراف، مع أننا اخترنا القول الآخر في تلك الحرب، وهو قول الشيخ "الألباني"  -رحمه الله- بالاعتزال؛ لكونه قتالاً على المُلك وأمور الدنيا.

وهذا الأمر في ضرورة التفصيل والاستفصال مِن قائل المقالات الخاطئة في التحريض المنكَر على دولة مسلمة رغم علمانيتها، لكن شعبها مسلم وقيادتها متأولة كما ذكرنا، هو مِن جهة النوع، أما مِن جهة العين؛ فالأمر أبعد عن التكفير؛ لشدة جهل هؤلاء الإعلاميين وغيرهم، فالذي يتجرأ على التكفير دون إقامة الحجة وإزالة الشبهة، واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع مجازف مجازفة خطيرة على دينه؛ فإثم التكفير لمسلم عظيم إذا لم يكن عن بيناتٍ رغم بغضنا لهذه الدعوات وقائليها، لكن التكفير أمر آخر. 

وأنبِّه إلى أن امتناعنا عن التكفير هو لالتزامنا بالضوابط الشرعية في أحكام الظاهر، أما مَن كان في الباطن منافقًا النفاق الأكبر؛ فلا يغني عنه يوم القيامة حكمنا بإسلامه.

كما أحب أن أنبِّه هنا على أمر خطير، وهو: أن العالم كله -غير المخدوعين اختياريًّا!- يعلم أن "روسيا" لا تضرب "داعش" في سوريا، وإنما تضرب الشعب السوري المعارض للأسد الطاغية، ورجال المقاومة السورية المجاهدون يعلمون أن الروس ينسِّقون مع داعش في حقيقة الأمر، ومع النظام السوري، وأن الجيش السوري الآن ليس سوريًّا، وإنما هو ميلشيات حزب الله ومرتزقة الشيعة، والحرس الثوري الإيراني، وهم يستلمون القرى التي تحتلها داعش مِن المقاومة بعد الضرب الروسي.

كما أن التحالف الغربي لا يضرب داعش إلا لذر الرماد في العيون، والحقيقة أن مصلحة الروس والغرب معًا في استمرار هذه الحرب لسنواتٍ طويلة؛ لكي تكون محرقة للإسلاميين بأنواعهم، وتدميرًا لسوريا بعد دمار العراق لمصلحة إسرائيل، وذلك تمهيدًا لتدمير مصر والسعودية والتهام باقي دول الخليج، فلا تخدعنا شعارات الحرب على الإرهاب التي هدفها التغطية على الجرائم التي تُرتكب مِن قتل النساء والأطفال والمدنيين والمسلمين عمومًا، بل وغيرهم مِن المستضعفين.

ولذا بقاء "الأسد" أو "نظامه" مهم جدًّا لجميع الفرقاء "وأهمهم إسرائيل"؛ لتحقيق مصالحهم الاقتصادية كتجارة السلاح وغيرها، ومصالحهم السياسية والعسكرية، والهيمنة والنفوذ، ويدفع  فاتورة ذلك كله... "الشعب السوري" المسلم المستضعف، ولن تبقي سوريا دولة موحدة مع بقاء "الأسد" أبدًا، بل ولا مع وجود بديل علماني صارخ في سوريا يرسِّخ للطائفية، ويحارب معظم الشعب السوري السُّني.

جعل الله لنا ولسائر بلاد المسلمين فرجًا ومخرجًا مِن هذا البلاء.