الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 18 مارس 2017 - 19 جمادى الثانية 1438هـ

حول قوله -تعالى-: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)

السؤال:

1- فوجئنا بأن تلك الحملة غير المسبوقة على الدعوة السلفية وحزب النور قد تمادتْ ووصل بها الحال إلى حد الخوض في أعراض الناس والتشهير بهم دون بيناتٍ، فقد تناقلتْ بعض الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت تهمًا لمرشح حزب النور بالإسماعيلية بالفاحشة وهددت بنشر صور فاضحةٍ له، ولا ندري ما موقفنا مِن ذلك النوع مِن التهم المتعلقة بالحرمات والأعراض ممن نعرف عنهم الخير: هل ننكر هذه التهمة لثقتنا بهم أم لا ننكر على أساس عدم تيقنا؟

2- لماذا شكَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عائشة -رضي الله عنها- مع أن الزنا لا يثبت إلا بشهادة الشهود وليس بالإشاعات؟ ولماذا أخذت هذه واقعة الإفك هذا الحجم وهي لا دليل عليها؟ ولماذا لم يبرئ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ابنته عائشة -رضي الله عنها- ويشهد ببراءتها ما دام أن الزنا لم يثبت أصلاً، وإنما هي شائعات؟

3- هل تبرئة مَن نظن به الخير مِن مثل هذه التهم يعتبر مِن الاعتداء على الغيب؛ لأننا لا نعلم على سبيل اليقين إن كان قد تورط في ذلك أم لا؟ وإن كان الأمر كذلك؛ فما هو وجه الآية الكريمة: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور:12)؟ وقد ذُكِر أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال لامرأته لما بلغه خبر الإفك: "ألا ترين ما يُقال؟! فقالت له: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله سوءًا؟ قال: لا. قالت: ولو كنتُ أنا بدل عائشة ما خنتُ رسول الله فعائشة خير مني، وصفوان خير منك. قال : نعم".

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالأصل عندنا براءة أي مسلم مِن تهمة الزنا إلا ببينةٍ حددها القرآن الكريم بأربعة شهود، قال الله -تعالى-: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النور:13).

والشهود لا بد أن يَشهدوا على واقعة الزنا تحديدًا برؤية الفرج في الفرج، ومعرفة الشخصين مِن أنه لا تربطهما علاقة زواج، وليس هذا الأمر خاصًّا بعضو حزب النور، بل هو عام في كل مسلم ومسلمة، بل لا يجوز اتهام الكفار بالزنا إلا بمثل هذه البينات كما في قصة رجم النبي -صلى الله عليه وسلم- لليهوديين؛ إذ لم يرجمهما إلا بعد شهادة أربعة شهود عدول بذلك، فهذه التهمة ليستْ مما يثبت بالصور، ولا بالفيديو، بل لا بد مِن أربعة شهودٍ عدولٍ على الواقعة.

2- لم يَشُك النبي -صلى الله عليه وسلم- في عائشة -رضي الله عنها-، بل كان احتمالاً مرجوحًا لجواز وقوع الذنب مِن غير الأنبياء، ولقد برأها على المنبر قبْل نزول براءتها مِن السماء، فقال: (فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا) (متفق عليه)، وقال عن صفوان: (مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا) (متفق عليه)، ولكن إعلام ذاك الزمان عند المنافقين "وشبكات التواصل الاجتماعي بينهم" أشاع الحديث على أنه حقيقة، وكانت فتنة وقع فيها بعض الأفاضل: كحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش -رضي الله عنهما-، بل كان منهم مَن شهد بدرًا كمسطح -رضي الله عنه-، ونفس ما قيل في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو في حق أبي بكر -رضي الله عنه- في أمر عائشة -رضي الله عنها-؛ فهو احتمال مرجوح في النفس لم يتكلم أحد به؛ لأنه مرجوح لا يجوز القول والعمل به، ولو وقع في النفس.

3- نحن لا يلزمنا اليقين الباطن في مثل هذه الأمور، ولكن لا يجوز العمل بالظن المرجوح ولا النطق به، وهذا وجه الآية: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور:12)، فالواجب إحسان الظن ولو كان في النفس ظن مرجوح وحديث بلا دليل.