الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 29 ديسمبر 2016 - 30 ربيع الأول 1438هـ

هل يمكن أن يقع الكفر الأكبر مع وجود أصل الإيمان في القلب؟!

السؤال:

درسنا مع فضيلتكم أن أعمال الجوارح داخلة في الإيمان، وفهمت منكم أن العبد لو نطق الشهادتين وكان مصدقًا بقلبه وأقر بالفرائض وأنه مقصر فإنه ناجٍ عند الله في الآخر وإن لم يفعل شيئًا من الفرائض والواجبات طوال عمره، وهو بذلك مسلم عاصٍ ناقص الإيمان، وقد ذكرتَ حضرتك أن المرجئة الكفار على نوعين: الجهمية والإباحية، وأما مَن يقول: الإيمان هو تصديق القلب وإقرار اللسان، وأن أعمال الجوارح ليست من الإيمان؛ فلا يكفر على هذه البدعة عند أهل السنة. وتساؤلاتي:

1- هل يمكن أن يكون عند الإنسان عمل قلبي ولا يأتي بأي عمل بالجوارح... أليس هذا دليلاً على انتفاء العمل القلبي؟

2- هل يمكن أن يقع الكفر على إنسان دون أن يزول الإيمان من قلبه؟

3- كتفريع على السؤال السابق فإنه قد سألني أحدهم أنه قام بإحراق أوراق فيها آيات من القرآن الكريم في أرضية الحمام النظيفة، وبعد أن أحرقها جعل يحرك الرماد المحروق بقدمه ليسير باتجاه الماء نحو المصرف وهو فعل ذلك ولم يكن متأكدًا هل احترق كل الرماد الذي فيه الآيات أم لا؟ وأنه حينما فعل ذلك كان قلبه مطمئن بالإيمان، فهل كفر بذلك أم لا؟

4- كيف لا نكفر أهل الإرجاء القائلين بأن أعمال الجوارح ليست من الإيمان وأن العاصي كامل الإيمان ولا يضر مع الإيمان ذنب مع أن حقيقة قولهم هو نفس قول المرجئة الإباحية؛ لأن محصلة كل من القولين أن أعمال الجوارح يكمل الإيمان بدونها وبالتالي فهي غير لازمة ولا ينقص إيمان من تركها، فلم أفهم وجه عدم تكفيرهم المرجئة الذين لا فرق فيما أرى بينهم وبين الإباحية في هذا الشأن؟ نرجو التوضيح وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- الذي لا يُتصور هو أن يكون عمل القلب تامًّا كاملاً ولا يأتي بعمل الجوارح، أما مع ضعف عمل القلب حتى يصل إلى مثقال ذرة؛ فما المانع ألا يَظهر أثر ذلك في الجوارح إلا نطقه الشهادتين؟! فلا دليل على المنع من ذلك، بل حقيقة فعل المعصية أصلاً هي نقص عمل القلب، وإلا فلو قال الخارجي: لا يُتصور وجود المعصية وترك الواجب مع عمل القلب لكان الجواب واحدًا.

2- الكفر الأصغر يمكن أن يوجد مع وجود أصل الإيمان في القلب، ولكن ليس الإيمان الواجب، والكفر الأكبر إذا وُجد دل على حبوط إيمان القلب؛ حتى لو وجد شيء منه كالمعرفة، لكن حبط أثر ذلك؛ لانتفاء ركن آخر مِن أركان الإيمان من عمل القلب أو نطق الشهادتين بوجود الشرك الأكبر.

3- إنما يكفر مَن أهان القرآن قصدًا، وليست هذه الصورة من ذلك.

4- فلا أعلم أحدًا مِن أئمة السنة يكفرون المرجئة القائلين بأن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان مع إخراجهم أعمال الجوارح مِن الإيمان إلا الإباحية، وهناك فرق بين الإلزام بالواجبات مع القول بأنها خارج الإيمان وبين استباحة تركها وفعل المحرمات؛ لأنها ليست من الإيمان، فالخلاف في التسمية: هل الأعمال داخل الإيمان أو ليست منه؟ إذا لم يتعدَ إلى إباحة المحرمات وإباحة ترك الواجبات؛ لا يكفر القائل به.