الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 01 مايو 2012 - 10 جمادى الثانية 1433هـ

السلفيون واختيار "أبو الفتوح"... أسئلة عالقة

كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي يوم السبت السابع من شهر جمادى الآخرة سنة 1433هـ في الثامن والعشرين من شهر أبريل 2012م، اجتمع كل مِن مجلس شورى الدعوة السلفية مع مجلس إدارتها من ناحية، والكتلة البرلمانية بغرفتيها لحزب النور والهيئة العليا له مِن ناحية أخرى؛ للتباحث والتشاور حول اختيار مرشح الرئاسة لدعمه، وكانت النتيجة هي اختيار دعم السيد الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح".

والآن كأني ببعض إخواني يتساءل وتلح على ذهنه الأسئلة، وها هي الإجابات:

- كيف تم الاختيار؟

تم بطريقة مؤسسية، حيث اجتمع 150 عضوًا من أصل 203 عضوًا بمجلس شورى الدعوة السلفية، وتقابلوا مع المرشحين الثلاثة وأعضاء حملتهم، وذلك بعد لقاءات مكثفة عقدها مجلس إدارة الدعوة مع المرشحين قبل ذلك، وفي نهاية المطاف تمت الانتخابات بأسلوب الاقتراع المباشر بواقع صوت لكل عضو -سواء كان أصغر عضو بالمجلس أو أكبر شيخ بالدعوة-، وكانت النتيجة 80.5% لصالح الدكتور "أبو الفتوح".

وكان الأعضاء قد تعاهدوا على التزام الشورى وقرار الأغلبية فيهم بغض النظر عن تفضيلات كل فرد منهم، وقبل ذلك بنفس اليوم وبمثل طريقة الاختيار السابق اجتمع أعضاء الكتلة البرلمانية وأعضاء الهيئة العليا لحزب النور، وتوصلوا لنفس النتيجة لكن بنسبة 70.5 % للدكتور "أبو الفتوح" في الكتلة البرلمانية، و73% في الهيئة العليا.

بين يدي القرار :

قبل الخوض في تفاصيل الموضوع نحب أن نؤكد على عدة حقائق:

1- الاختيار كان بين المرشحين الإسلاميين الثلاثة: "د. أبو الفتوح - ود. العوا - ود.مرسي"، وهم جميعًا يقرون بمرجعية الشريعة الإسلامية.

2- المرشحون الإسلاميون الأفاضل يقتربون فكريًا مِن بعض، ويختلفون عن السلفيين في قضايا فكرية مهمة؛ لذا فكانت المقارنة بين هؤلاء الأفاضل -وعلى الأساس السابق- قائمة على انتقاء الأنسب للواقع المصري والالتئام الوطني/ وليس الأفضل مطلقًا، ولا الأقرب للمنهج السلفي.

3- نحن بصدد اختيار رئيس -موظف في الدولة المصرية-، وليس خليفة للمسلمين.

4- مما يصف معنى كلمة "موظف في الدولة المصرية" أن فترات الرئاسة أصبحت محددة ومؤقتة، وفي الغالب ستتقلص صلاحيات الرئيس الدستورية؛ لتكون متوازنة مع بقية السلطات، ناهيك عن يقظة الشعب المصري وشعوره بالحرية، مما يعني أن احتمال ظهور ديكتاتوريات أخرى قد أصبح -بفضل الله- معدومًا.

5- الأصل لدى "الدعوة السلفية" هو طريق الدعوة إلى الإسلام الصافي عقيدة وعلمًا وسلوكًا وحركة في الحياة، وتعبيد الأمة لربها، وتربية النفوس على شرع الله -تعالى- بمفهومه الواسع، والسعي لتحكيمه في حياتنا العامة والخاصة مراعين سننًا أخرى شرعية -أيضًا-: كالتدرج وعدم تعجل الثمرة، ومراعاة مصالح العباد والبلاد، ومراعاة حدود القدرة والاستطاعة، وغير ذلك...

6- أهم مطلوب لدينا في الفترة القادمة حرية الدعوة بهذا المنهج -بغض النظر عمن يحكم-، وما العمل السياسي الذي سلكت طريقه الدعوة السلفية إلا وسيلة لأجل هذه الغاية الكبرى.

7- لا بد من الأخذ في الاعتبار احتمالية نجاح المرشح من عدمه، فبعض المرشحين قد نقترب منه فكريًا، ولكن وفق حسابات الواقع نرى أن قربه من الشارع المصري ودعم الناس له ضعيف لأسباب عدة ليس هنا محل ذكرها، ومِن الحكمة ألا تدع صوتك يضيع هباءً.

- لماذا كل هذا التردد والتأخر؟!

الدعوة لم تتأخر، بل تريثت وانتظرت القائمة النهائية للمرشحين بعد الطعون، وهذا أمر منطقي حتى لا نختار مَن يُستبعد بعد ذلك، كما رأينا ما حدث مع فضيلة الشيخ "حازم أبو إسماعيل"، والمهندس الفاضل "خيرت الشاطر".

- لماذا "أبو الفتوح" وقد كان له تعليقات وتصريحات عدة حول "التطرف السلفي الوهابي"، وكلامه في الشريعة غير واضح؟!

نحن نغلب جانب المصلحة الوطنية على مصالحنا كفئة أو حزب، وكون السيد "أبو الفتوح" له وجهة نظر ما في السلفيين أو له بعض المواقف والتصريحات التي نتحفظ حولها، وبعض الجوانب الفكرية الأخرى التي لا نتفق فيها؛ فهذا يقتضي منا مزيدًا مِن التواصل "معه ومع غيره"، وتوضيح أصول المنهج السلفي الصافي بعيدًا عن الاستقطابات والتعصب والعداوات التي تمزق الأمة.

وقد ذكر د."عبد المنعم أبو الفتوح" أن الذين ينتقدهم ويتهمهم بالتطرف بعض السلفيين "وليس كلهم"، وله كلام حسن جدًا في الثناء على مجموع السلفيين.

وبخصوص الشريعة الإسلامية وتطبيقها فحتى غير الإسلاميين لا ينكرون مرجعيتها -ولو ظاهريًا-، ونحن نرى أن تطبيقها إنما يكون بالتدرج المبني على مراعاة القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة، والتلطف والحكمة تزامنًا مع الاهتمام بالدعوة وتأهيل الأمة لذلك، ومِن المهم كذلك: أن يكون عبر مؤسسات الدولة: "التشريعية والتنفيذية والقضائية"، والرئاسة إنما هي مؤسسة واحدة.

ثم إن السيد "أبو الفتوح" مِن مناصري كون المادة الثانية للدستور تنص على كون "الشريعة الإسلامية" هي المصدر الرئيسي للتشريع وليس "مبادئ الشريعة" -وهو ما تراه "الدعوة السلفية"-، وبالمناسبة هو ليس الوحيد في هذه الرؤية، ود. "محمد مرسي" صرَّح هو وأقطاب من الإخوان بأنهم يرون بقاء كلمة "مبادئ".

- لماذا فرقتم الصف، ولم تختاروا مرشح الإخوان؟

نحن لم نفرِّق الصف، فالمرشحون الإسلاميون متعددون بالفعل، وكل له جمهوره ومحبوه ومناصروه، بل لقد التحق مرشحو الرئاسة بالسباق منذ زمن، وجدَّ عليهم مرشح الإخوان بعد أن كانوا قد صرحوا بأنهم لن يكون لهم مرشح آخر، ثم بدا لهم شأن آخر، وهذا بطبيعة الحال من حقهم وفق ما يتراءى لهم من مصلحة، ولكن الواقع والأحداث تخبر أننا لم نفرِّق الصف الإسلامي، بل ما كانت مبادرة "الدعوة السلفية" إلا لمحاولة التوحد حول مرشح إسلامي واحد؛ فكيف نُتهم نحن بتفريق الصف؟!

- ولكن البلاد تحتاج إلى فريق منظم كالإخوان ينهض بها؟

في المصريين أكفاء كثير، والإخوان -الذين لن يبخلوا على وطنهم بشيء يقدمونه- لن يتوقف عطاؤهم على مقعد الرئاسة، وفي نفس الوقت سيدعم كل مخلص "إسلامي أو غير إسلامي" د. "عبد المنعم أبو الفتوح" -حال وصوله للرئاسة- بدون حزازية؛ لأنه لا ينتمي تنظيميًا إلى جماعة بعينها.

ونحن نرى كذلك أننا ينبغي أن نعتمد على كل المؤسسات الوطنية في النهوض بالدولة، مع بقاء التنظيمات والجمعيات الإسلامية الشرعية قائمة تعمل لخدمة الدين، وترعى مصلحة الوطن.

- ما المكاسب والوعود التي حصلت عليها "الدعوة السلفية" من السيد "عبد المنعم أبو الفتوح"؟

لم نطلب مكاسب ذاتية، ولو كانت هذه هي طريقتنا؛ لملنا لدعم مرشح الإخوان.

- ما الضمانات التي ينبغي على "الدعوة السلفية" أن تتخذها لضمان حرية الدعوة الإسلامية في ظل حكم شخص إسلامي أو غير إسلامي؟

التواجد الفعلي على الأرض، والتواصل الإيجابي مع المجتمع؛ لتصحيح المفاهيم، وتوطيد أركان الدعوة الإسلامية، وتوحد كلمة السلفيين؛ فهذا كله مِن شأنه أن يجعل الكتلة السلفية -بل التيار الإسلامي- متماسكًا وذا ثقل، ومؤثرًا في الشأن العام.

الخلاصة:

أن المرشحين الإسلاميين الثلاثة لهم مشروع وطني تمثل الثقافة العربية الإسلامية فيه حجر زاوية مِن أجل الارتقاء بالأمة على اختلاف طفيف في الجزئيات العملية، والثلاثة ممن أيدوا الثورة أو شاركوا فيها وحلموا بأحلامها مع الشعب المصري.

ولكن ما يميز "السيد أبو الفتوح" -حسب اجتهادنا- هو:

1- قد يتفق عليه أطياف عدة من الشعب تحت مظلة وطنية غير تابعة لجماعة أو حزب بعينه.

2- هذا التوافق المرجو قد يسهل عملية الانتقال السلس والهادئ لحكم مدني غير عسكري.

3- عدم تبعية السيد "أبو الفتوح" لمعسكر أو تنظيم بعينه قد يساعد في التحاق الكثير من المتخصصين في الجوانب المختلفة "التكنوقراط" من المخلصين للبلاد، والتفافهم حوله بدون تحفظات.

4- تواجد جمهور فعلي داعم، وحملة انتخابية فاعلة -معظمها من الشباب-، وتواجد إعلامي منتظم، والأهم القبول الشعبي، مما يعني وجود فرصة حقيقية -بإذن الله- للفوز.

وأما إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين:

1- فما زلنا معًا نعمل على الأرض وفي البرلمان وفي كل مكان؛ متعاونين ومتكاملين، أو مختلفين متناصحين، أو متنافسين بشرف وبأدب الإسلام، ونحن وإن اختلفت أساليبنا وأطروحاتنا ورؤانا في مجال؛ فإننا نتفق في مجالات أكثر وأرحب.

2- ثم إننا نرجو أن يكون تواجد إخواننا من الإخوان المسلمين في البرلمان، وربما بعض الوزارات أكثر مناسبة من الرئاسة، حتى يكون ذلك أدعى لارتفاع شعبيتهم أو على الأقل المحافظة عليها دون فجوات بينهم وبين الناس.

3- ولعل المصريين الآن ما عادوا يحتملون فكرة أن تكون السلطات كلها أو معظمها في يد واحدة.

4- ولا يعني عدم اختيارنا لمرشح الإخوان فضيلة المحترم الدكتور "محمد مرسي" عدم وثوقنا به أو عدم اقتناعنا بمشروع النهضة، ولكننا نرى أن مثل هذه المشروعات النهضوية قد تتحقق مِن خلال التواجد في عدة مواقع أخرى أيضًا: كالبرلمان، والحكومة، والمجتمع المدني، وغير ذلك... مما لا يشترط فيه كرسي الرئاسة، ونحن على يقين تام أن الإخوان لن يبخلوا بفكرة أو مشروع أو جهد، سواء كانوا في سدة الرئاسة أم غير ذلك.

وأخيرًا... آمال وأحلام:

1- نرجو أن يتعاون المرشحون الإسلاميون جميعًا، وأن نرى منهم جميعًا رئيسًا ومعاونين.

2- نرجو أن نتمثل موقف خالد -رضي الله عنه- حينما عزله عمر -رضي الله عنه-، وولى مكانه أبا عبيدة -رضي الله عنه-، فقال خالد: "ما للدنيا نعمل وما سلطانها نريد، كلنا في الله إخوة!".

3- بل نرجو -أيما كانت اختياراتنا وأيما كان الفائز بالرئاسة- أن يتعاون الجميع مِن أبناء مصر المخلصين مِن أجل إنقاذ مصر، وإصلاح السفينة التي تقلنا جميعًا، والوصول بها إلى بر الأمان.

4- أخي المخالف الكريم... قد نختلف "بل الطبيعي أن يحدث هذا"، وقد يصيب بعضنا أحيانًا وقد يخطئ، ولكن لا ينبغي أن يتحول الخلاف السياسي -كاختيار رئيس بعينه- إلى اتهامات باطلة: بالخيانة والعمالة، وطعن في النوايا والمقاصد؛ لذا فأرجو إن اختلفت معي... فاعلم أني أخوك، وأرجو -إن رأيت- أن تخطئني لا أن تخونني، وأن تصوبني وتنصحني لا أن تسفهني، وأن نتواصل لا أن نتدابر.

وفي الختام ندعو ونقول: اللهم دبر لنا فإنا لا نحسن التدبير، ربنا هيئ لنا من أمرنا رشدًا.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.