الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 09 يوليه 2011 - 8 شعبان 1432هـ

الانتحار لعدم إيجاد فرص عمل

السؤال:

نريد مِن فضيلتكم نصيحة للشباب الذي يقدم على الانتحار بسبب عدم إيجاد فرص عمل خاصة بعد ما شاهدناه في: تونس، والجزائر، ومصر؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- فقد قال الله -تعالى-: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء:29)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لا يَمْلِكُهُ) (متفق عليه).

- أما حكم المنتحر: فالذي عليه أهل السنة أنه مِن مرتكبي الكبائر؛ فهو في المشيئة إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له؛ وذلك لحديث مسلم: عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ، قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ).

قال النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: "أما أحكام الحديث: ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أن مَن قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها، ومات مِن غير توبة؛ فليس بكافر، ولا يُقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة. وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها. وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره مِن أصحاب الكبائر في النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، فإن هذا عوقب في يديه، ففيه رد على المرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر. والله أعلم" انتهى من شرح النووي على صحيح.

والمؤمن يوقن أن الرزق مقدر، وأن البركة مع الإيمان والتقوى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (الأعراف:96).

- ويجب علينا أن نطلب رزق الله بطاعته لا بمعصيته، وما حل ببلاد المسلمين في مشارقها ومغاربها رغم ما فيها من خيرات ليس إلا بشؤم مخالفة الشرع، وهجر أحكامه مِن الحكام والمحكومين؛ فيجب على الجميع تحكيم شرع الله -سبحانه-، فهو مصدر كل خير، ويجب على من جعله الله على أمر من أمور المسلمين أن يتقي الله ولا يقصر في أمانته: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء:58).

ويجب تولية الأمناء لا "الخونة، والمرتشين، واللصوص"؛ الذين لا يعبأون بمصالح الدين والدنيا، للعباد والبلاد.

وإن كان علاج هذه الأزمات: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية لا يصلح بحرق النفس وقتلها بأي طريق، ولا بقتل المعصومين وتدمير أموالهم، بل بالرجوع إلى الله -سبحانه- والتزام شريعته.