الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 18 مايو 2010 - 4 جمادى الثانية 1431هـ

أنواع تروك النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكم كل منها

السؤال:

يدعي البعض أن قول الله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، لا يدخل فيه الترك، أي: ليس كل ما تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل، فما مدى صحة ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- أقسام:

- فما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمور التعبدية من أمور العقائد والعبادات مع وجود المقتضي وانتفاء المانع فلا يتصور إلا أن يكون الترك كفًّا مقصودًا؛ لأنه ما ترك شيئًا يقربنا إلى الله إلا أمرنا به؛ فيكون الترك سنة والفعل بدعة: كعلم الكلام، وسائر بدع العقائد، وكذا العبادات المبتدعة: كصلاة الفاتح والأكبر باللفظ المفرد والمبهم.

- وما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- لوجود مقتضي للترك أو لوجود مانع: كترك جمع القرآن في المصحف فهذا لا يكون الترك فيه سنة ولا يكون الفعل بدعة، وإن كان تردد الصحابة -رضي الله عنهم- فيه أولاً دليل على حذرهم من البدع في الجملة، ولكن لما وُجد المقتضي الذي لم يكن موجودًا من قتل كثير من القراء في حروب الردة وخوف ضياع شيء من القرآن، وكذا انتفى المانع الذي كان موجودًا في عهده -عليه الصلاة والسلام- باستمرار الوحي، ووضع آيات في وسط سور، وتغيير الترتيب في الآيات؛ فلما انتفى المانع بانقطاع الوحي كان الجمع في المصحف مشروعًا بناءً على الأدلة العامة في حفظ القرآن، وهذا فهم الصحابة -رضي الله عنهم-.

وكذلك تركه -عليه الصلاة والسلام- للاجتماع على صلاة التراويح في رمضان خشية أن تفرض على الأمة لمَّا زال المانع باكتمال التشريع وانقطاع الوحي مع وجود الأدلة العامة والقولية في فضل الاجتماع الذي فعله أحيانًا؛ كانت المداومة على الفعل بعد ذلك سنة لا بدعة، ولم يكن الترك سنة، وإن كان عمر -رضي الله عنه- سماها بدعة فهي من جهة اللغة ولذا استحسنها، لا من جهة الشرع الذي ذم كل أنواع البدع.

- وما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمور العادات منه ما يكون مقصودًا تركه كشيء كان أمامه فتركه، وهذا ينقسم إلى ما عُلم سبب الترك: كترك أكل الضب حيث كان السبب أنه ليس بأرض قومه -صلى الله عليه وسلم- فكان يعافه، وكتركه للباس الحرير حيث قال: (لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ) (متفق عليه)، وبيَّن حرمته على ذكور أمته، فالحكم في هذا الترك مبني على معرفة السبب؛ ففي ترك أكل الضب الحكم على الإباحة، وترك الحرير دل على التحريم.

وأما ما تركه مما لا يعلم سببه فكترك التنشيف عند الوضوء حيث رد المنديل، فالأصل في هذا استحباب الترك ولا يكون الفعل بدعة؛ لأنه ليس أمرًا تعبديًا.

- وما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- غير مقصود تركه كاستعمال الآلات الحديثة: كالسيارة، والطائرة وغيرها مما لم يكن في زمنه -صلى الله عليه وسلم- وهذا لا يتصور في العقائد والعبادات وإنما في العادات؛ فالحكم فيه على أصل الإباحة، ولا يقال: الترك سنة؛ لأنه غير مقصود. ولا يقال: إن الفعل بدعة؛ لأن البدعة طريقة مخترعة في الدين وأمور الدنيا الأصل فيها مما لم يرد فيه بيان من الشرع على الإباحة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة:29).