الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 12 مايو 2010 - 28 جمادى الأولى 1431هـ

لمصلحة مَنْ؟!

كتبه/ إيهاب الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تعلمنا في المدارس منذ الصبا أن "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه"، وهذه القاعدة لها صداها ومردودها حتى في أفعالنا اليومية، لكن العجيب أن البعض يتغافل ويتعامى عن ردود الأفعال والتي من تكررها عبر التاريخ والأزمان أصبحت من المسلمات والبدهيات، ويزداد الأمر ثباتـًا ورسوخًا إذا كان قد جاء به القرآن وأوضحته السنة إذ لا أصدق من الله قيلاً، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

ومن ذلك ما ورد من عداء أهل الكفر لأهل الإسلام، وأنهم -وخاصة اليهود والنصارى-: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) (النساء:89)، وأنه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120)، تأمل في: (فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، وفي: (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)؛ لتعلم أن ذلك هو الشيء الوحيد الذي يجعلهم يرضون عنا، وهو غاية أملهم ومنتهى رغباتهم.

أما التميع فلا يرضيهم أبدًا وليس له حد ولا منتهى، وهو مع ذلك مضر في غاية الإضرار بأمر ديننا إذ لا أخطر من أمر الاعتقاد عندنا أهل الإسلام... وهنا نتساءل:

إذا كان التمييع لا يرضيهم ويضرنا فلمصلحة من يُفعل؟!

انظر مثلاً لزوبعات الأعياد الكفرية كل عام، وما يفعله المنهزمون المهزوزون؛ منافقين كانوا أو مغيبين أو جاهلين -وربما كان ذلك بعيدًا- من لافتات التهنئة وبرقياتها ومقالاتها... !

وانظر لردود أفعال الكافرين؛ فبعضهم يصرح بنقيض ذلك وأننا لسنا لهم بإخوة؛ لأنهم يروننا كفرة!! نعم والله.. ! المنهزمون يقولون: نهنئ إخواننا.. وهم يقولون لسنا لهم بإخوة! وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما قال: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وأخطر من ذلك ما يجري من خيانات على الساحة الدولية، وفيهم يصدق قوله -تعالى-: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52).

ما أشبه الليلة بالبارحة.. ! يسارع المنهزمون في موالاة الكافرين ومودتهم.. لماذا؟ خشية منهم أن يقع نصر الكفار فيريدون أن تكون لهم أياد -"مصالح بالاصطلاح المعاصر"- عند اليهود والنصارى، وينتفعون بها، ثم تأمل في رد الآيات: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ)، ومما قيل في تفسيرها: "أن المراد: ضرب الجزية على اليهود والنصارى"، وتأمل حال من كانوا يسارعون في موالاتهم وهاهم الآن يرونهم أذلاء خاضعين لأهل الإسلام أمرهم في سفال! فماذا عن المنهزمين؟! (فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)، أي: ندموا على ما فعلوه من الموالاة؛ لأنها لم تجدِ شيئًا، ولم تدفع عنهم المحذور، بل جاءت بنقيض مرادهم؛ إذ فضحهم الله -تعالى- وأظهر أمرهم في الدنيا بعد أن كانوا مستورين، وحينها يقول -حزب الله المؤمنون-: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ) (المائدة:53).

وهكذا والله سيؤول أمر كل المنافقين والمهزومين الذين يتبرؤون من عقائد هذا الدين ويستحيون منها، ويسعون لمحو ما لا يَرضى عنه وبه أعداؤهم من اليهود والنصارى.

وانظر معي لتطبيق هذه الآيات على واقعنا فيما يظهر من نفاق المنافقين وحرصهم على مصالح إخوانهم الكافرين، وما يظهر على ألسنتهم من الفضائح وما في ذلك من المصالح للمؤمنين؛ إذ بهذه المواقف يتضح أمرهم، وتبدو سرائرهم.

وإنني في هذه الكلمات أحب أن أنبه على مسألة في غاية الخطورة ألا وهي: العبث بمناهج التعليم في ديار المسلمين إذ من يطالع مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية يرى هذه الروح الخبيثة -"موالاة الكفار"- تسري في هذه المناهج وبين سطورها.

انظر قليلاً لدرس: "كلانا أبوه النيل وأمه مصر" من منهج الصف الثاني الإعدادي ص94 الفصل الدراسي الأول: تجد الكاتب يلح بشدة على طمس معالم الولاء والبراء فيورد نصًا لبعض الضلال، وللأسف يذكر أنه ينسب للأزهر وممن تخرجوا فيه! يقول ذلك الرجل:

فـنحن على الإنجيل والـذكر أمة         يـؤيـدها الإنجيل بالحـق والذكر

فلن يستطيع الدهر تفريق بيننا           وإن جر قوم بالسعاية ما جروا

إذا ما دعـت مـصر ابنها نهض          لنجدتها سيان مرقص أو عمرو

ألم تـرنا فـي كـل عـيد وموسم           حليفي ولاء لا جـفاء ولا هجر!

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم في التعليق يقول المؤلفون -وهم أربعة ويحملون أسماء مسلمين!-: "لا فرق بين مسلم ومسيحي"، و"نحن أمة تقوم على الإنجيل والقرآن"!

هل حقـًا: لا فرق بين مسلم ومسيحي؟!

من يجيب؟

لننظر هل في القرآن إجابة أم لا؟

قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة:72)، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) (المائدة:73)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (رواه مسلم).

إذ أن من كذَّب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كفر؛ لأنه كذب الله -تعالى-، وكذب عيسى عبد الله ورسوله، وكذب محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر إذاً، فهل الكافر يستوي مع المسلم؟! كيف ذلك والله يقول: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (القلم:35).

هل يستوي من يؤمن بالله مع من كفر به وسبه وعاداه؟ كيف ذلك؟ ولمصلحة من؟!

أعلم جيدًا أننا سنُتهم بأننا مثيرو فتنة ودعاة شغب!... الخ من الاصطلاحات والتهم الجاهزة، لكن هذا لا أعنيه أبدًا ولا يعنيه العلماء الذين يدافعون عن عقيدة المسلمين، ويؤيد ذلك الواقع والسنون التي مرت، عاش خلالها الكفار من اليهود والنصارى ينعمون بعدل أحكام الإسلام وحسن المعاملة من أهل الإسلام، لكن ذلك لا يعني الولاء لهم، وترك بغضهم! كيف وقد قرر ذلك القرآن: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)، (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4). فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!

وما هذه الحوادث التي تقع بين الحين والآخر بين المسلمين والنصارى إلا ثارات أو أحداث شغب في كثير منها لا دخل لها ولا صلة بالدين في الغالب؛ وإلا لو كان الإسلام قد جاء بإيذائهم وقتلهم لما عاش في ديار الإسلام نصراني أو يهودي! لو كان المسلمون متعطشين للدماء لصنعوا من جلود النصارى أحذية، ومن شعورهم حبالاً!

نحن لا ندعو لفتنة طائفية، بل ندعو للإحسان إليهم: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، طالما ليسوا لنا بمحاربين؛ ندعو لتحبيبهم في الإسلام، ندعو لرحمتهم ببيان ما عليه هم من الكفر والباطل، نقول وبملء أفواهنا: "ارحموا الكفار"، ارحموهم ببيان الباطل الذي هم عليه، ليس من مصلحتهم والله إشعارهم أنهم على حق ودين! بل الرحمة بهم أن يوضح لهم الإسلام الدين الحق، ويناظر هؤلاء لبيان ما هم عليه من الباطل.

وارحموا المسلمين ولو بإعادة تدريس الفاتحة لهم التي يكررونها كل يوم 17 مرة على الأقل، وفيها: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، أي: أنك تطلب أيها المسلم صراطـًا وطريقـًا مخالفـًا لطرق اليهود والنصارى، وراجع تفسير الفاتحة؛ ليتضح لك ذلك المعنى.

ولا يقتصر هذا الإفساد والعبث بالصف الثاني الإعدادي، بل في كتب التعليم الأساسي كذلك التصريح في أهداف الكثير من الدروس أن منها: التربية على المواطنة! وفي كتب الدين كذلك! أي دين تقصدون؟!

ولمصلحة من تعملون وتخرِّبون؟!

أللكفار تتوددون؟!

أم من الإسلام تمرقون؟!

أم للعزة تطلبون؟!

والله ما العزة إلا في اتباع الكتاب والسنة.. وما النصر إلا من عند الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وأخيرًا أخي القارئ: لا تجعل دورك فقط القراءة والتألم والتحسر، بل لعقيدتك فانشر.. وللباطل افضح.. وللحق اعتقد.. وبالكتاب والسنة تمسك، وانتبه لنفسك وأهلك وولدك؛ فالحرب شديدة، والتشويه متعمد، وإلى الله المشتكى.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:54-56). والعجيب.. بل والجميل أن هذه الآيات أتت عقب الآيات التي ذكرتُها أول المقال للمهزومين!

اللهم اجعلنا من حزبك المنصورين الفائزين المتمسكين. آمين.