الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 02 ديسمبر 2025 - 11 جمادى الثانية 1447هـ

سمات جيل الإصلاح (1)

كتبه/ حسن حسونة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فالتمكين هو: منزلة رفيعة، يَهَبُها الله -عز وجل- للصالحين من عباده، بعد صبرهم على الابتلاء والمِحَن، فتَسمو مكانتُهم وتَعلُو كلمتُهم، ويسود شرعُهم، وتَمتلئ الدنيا بنورهم عدلاً وعبادةً، وتوحيدًا لله -جل وعلا-.

وقد وردت مادة (مَكَّن) الدالة على التمكين في القرآن الكريم حوالي ثماني عشرة مرةً، وهذه دلالة واضحة على أهمية هذا المعنى.

أما عن الاستخلاف فهو: استرعاء يختص بمن ينصح للمَرْعِيِّ، فيؤدي عن الله أمره ونهيه، ولا يأخذه في الله لومة لائم ولا سطوة جبار.

والصلة بين التمكين والاستخلاف: أن الاستخلاف لا يكون إلا مع الاستبدال، أي: استبدال الطالحين بالصالحين، والعصاة المذنبين بالطائعين.

وقد يكون التمكين بالسيف والسِّنان، وقد يكون بالحجة والبيان. وقد يكون التمكين كُلِّيًّا؛ فيُمَكَّن للأمة بأسرها، وقد يكون جُزئيًّا؛ وهو ما كان في مكان دون مكان.

والناظر في تاريخ الأمة: يرى أن فترات تمكينها أقل بكثير من فترات ابتلائها وتَسَلُّط الأعداء عليها.

والسبب في ذلك: أن تَمَكُّن الأمة لا يأتي إلا بالتمسك بكتاب الله، واتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حصل التمكين، فشرط بقائه البقاء على المنهج والاستقامة عليه، فإذا أدت حق الله وحق رسوله -صلى الله عليه وسلم- دام لها التمكين.

وإذا كانت الانتكاسة حصل لها الاستضعاف وتَسَلُّط الأعداء عليها، كما جاء في الحديث الشريف: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ شَيْءٌ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وهذا ما وقع في فترات كثيرة من حياة الأمة.

وغاية التمكين: هو ما ذكره الله في كتابه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).

فغايته: إقامة العبودية لله -عز وجل- التي هي حق الله على عباده؛ فهو أعظم الحقوق، وعدم الإشراك به؛ فهو أقبح المناهي، كما جاء في حديث مُعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: حينما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ). قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: (فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ‌وَحَقَّ ‌الْعِبَادِ ‌عَلَى ‌اللهِ أَلَّا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) (متفق عليه)، فإذا أُقِيمَت العبودية، ونُبِذ الشرك، دام التمكين للأمة.

فليس المقصود من التمكين العلو والفساد والاستكبار في الأرض، فهذا علو كما علا فرعون، والنمرود، وبختنصر، وغيرهم في الأرض؛ فنشروا الشرك والإلحاد، وطَغَوا وبَغَوا، فأهلكهم الله -عز وجل- وقال حين أهلك فرعون لبني إسرائيل: "لِنَنظُر كيف تعملون"، هل تُصلِحون أم تُفسِدون؟ هل تُطيعون أم تَعصون؟ هل تُوَحِّدون أم تُشرِكون؟ لكنهم سرعان ما بَدَّلوا وحَرَّفوا وأشركوا؛ فسَلَّط الله عليهم الذُّل، وهم كذلك -إن شاء الله- إلى يوم القيامة. فغاية التمكين: إعلان العبودية والتوحيد لله، وترك الشرك ونبذه بكل صُوَره.

يبقى لنا أن نتعرف على سمات أهل التمكين، وهذا ما نتعرف عليه في مقال آخر -إن شاء الله-.