كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمضت الأيّامُ يومًا وراءَ يومٍ، ولا يزال الفتى يَمُرُّ على ذاك المِصريِّ النَّبيل، ويدور على ما ينثره على بِساطِه الجميل، فيطالع قصصَه ورواياتِه، في روحاتِه وغدواتِه.
ومع السَّعي والمُثابَرة، والجِدِّ والمُصابَرة، يَمُنُّ الكريم المنّان، ذو الفضل والإحسان، بأن يُوجِّهَ بصرَه وبصيرتَه، إلى ما تهفو إليه نفسُه، ويتطلّع إليه أملُه؛ فقد وقع الفتى على عددٍ من أعدادِ مجلّةِ "المنار"، التي أسَّسَها الشَّيخ محمد رشيد رضا (المُتوفَّى 1354هـ = 1935م)، والتي صدر عددُها الأول في 22 شوال 1315هـ = 15 مارس 1898م.
فبإشراقةِ هذا العددِ على الفتى أخذ يصحو من سُباتِه، ويستنهض قُواه، ويَستفِزُّ هِمَّتَه وعزيمتَه، فانطلق وتَحرَّر.
قال الألباني -رحمه الله-: "أول ما وَلِعْتُ بمُطالَعتِه من الكتب القصصُ العربيّةُ كالظَّاهر وعنترة والملك سيف وما إليها، ثم القصص البوليسية المترجمة -كأرسين لوبين، وغيرها-، ثم وجدتُ نُزُوعًا إلى القراءاتِ التَّاريخيّة.
وذاتَ يومٍ لاحظتُ بين الكتب المعروضة لدى أحد الباعة جُزءًا من مجلّة "المنار"، فاشتريتُه ووقعتُ فيه على بحثٍ بقلم السيد رشيد، يَصِفُ فيه كتابَ "الإحياء" لِلغزّالي، ويشيرُ إلى محاسنِه ومآخذِه؛ ولِأوَّلِ مرَّةٍ أُواجِهُ مِثْلَ هذا النَّقد العِلْميّ، فاجتذبني ذلك إلى مُطالَعةِ الجُزءِ كُلِّه" (انتهى).
وقال أيضًا في مقامٍ آخَر: "الذي يسَّر لِيَ السَّبيل رجلٌ مِصريٌّ، أرسله الله إلى دمشقَ، وكي يعيشَ الرَّجلُ يشتري تركات المكتبات، وعنده دُكّانٌ أمام مسجد بني أُمَيَّة، عَرْضُه من الدّاخل أقلّ من متر، وواجهتُه نحو مترَين ونصف، يبعثرُ الكُتبَ على الرَّصيف.
وكانت كُتبُه أشكالًا وألوانًا، فيها الصَّالحُ والطَّالحُ، كما يقال عندنا في دمشق: "يا داخل مصر، مِثلُك أُلُوف"؛ أي: إن كُنتَ صالحًا فمِثلُك أُلُوف، وإن كُنتَ طالحًا فأيضًا مِثلُك أُلُوف.
والقارئُ يختار منها ما يهدف إليه، وهنا وقفتُ على بعض أجزاء مجلّة "المنار"، وتعلّقتُ به، ففُتِحَ طريقُ الحديثِ أمامي، وسِرتُ فيه" (انتهى).
وقال -أجزل الله ثوابه- في مقامٍ ثالث: "وذاتَ يومٍ وجدتُ عنده بعضَ الأعدادِ من مجلّةِ "المنار"، فَأَذْكُرُ جيِّدًا أنَّني قرأتُ فيه فَصْلًا بقلم السيد رشيد رضا -رحمه الله-، يتكلّم عن مزايا كتاب "الإحياء" لِلغزّالي، وينتقده من بعض النَّواحي، كصُوفِيّاتِه -مثلًا-، وكأحاديثِه الضَّعيفةِ والواهيةِ، وبهذه المناسبة ذكر أنّ لِأبي الفضل زين الدِّين العراقي كتابًا وضعه على "الإحياء"، خرَّج فيه أحاديثَه، وميَّز صحيحَها من ضعيفِها، وهو المُسمَّى: "المُغنِي عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار"، فتلهَّفَت نفسي جدًّا لهذا الكتاب، فنزلتُ إلى السُّوق أسأل عنه كالعاشق الوَلْهان، أين هذا الكتابُ؟" (انتهى).
فهل وجد الفتى كتابَ "المُغنِي" في السُّوق؟
فالإجابةُ عن هذا السُّؤالِ ستكونُ بدايةَ مقالِنا القادمِ -بإرادةِ الله-.
واللهُ وليُّ التَّوفيق.