كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الإشارة إلى سبب اختيار الموضوع، وهو: المظاهر المخالفة لأحكام الإسلام، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، في التعامل مع آية خسوف الشمس والقمر(1).
- الإشارة إلى أن ذلك يحتاج إلى وقفات تحذيرية بين يدي تكرر هذه الآية كثيرًا في زماننا.
الوقفة الأولى: الشمس والقمر خلقٌ مسخَّر لله -تعالى-:
الخسوف والكسوف تخويف من الله: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ)، وفي الرواية الأخرى: (هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ) (رواه البخاري ومسلم).
- تكرر الآية كثيرًا في زماننا يشير إلى حالنا (هذه الآية لم تَحْدُث في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مرة واحدة، ولعلها كانت لبيان تشريع صلاة الكسوف): عن صفية بنت أبي عبيد -هي زوجة عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قالت: زُلْزِلَتِ المدينة على عهد عمر -رضي الله عنه- فقال: "أيها الناس، ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم، لئن عادت لا أساكنكم فيها" (أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات، وابن أبي شيبة في المصنف).
- الكفار والجُهَّال ينظرون إلى الآية من جانب كوني دون الشرعي(2): قال -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر: 49). وقال -تعالى-: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (يس: 38)، وقال -تعالى-: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) (مريم: 93).
- الكفار والجُهَّال لا يعتبرون بالهالكين بهذه الآيات، وأما المؤمنون فهم أهل الاعتبار: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رَأَى مَخِيلَةً تَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فإذا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فذكرت له عائشة بعض ما رأت منه، فقال: (وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمُ هُودٍ: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) (رواه البخاري)(3).
الوقفة الثانية: هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مع آية خسوف الشمس والقمر:
تمهيد:
- ما يأتي من هديه -صلى الله عليه وسلم-، هو ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون مع آية خسوف الشمس والقمر.
- إظهاره -صلى الله عليه وسلم- الفزع والخوف؛ قال أبو موسى -رضي الله عنه-: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: (هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) (رواه البخاري ومسلم). وقد بلغ من فَزَعِهِ -وهو أعلم الناس بربه- أنه أخطأ فأخذ رداء بعض نسائه، كما قالت أسماء -رضي الله عنها-: "فأخطأ بِدِرْعٍ حتى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بعد ذلك" (رواه مسلم).
- التوجه إلى المساجد ودعوة المسلمين للصلاة: وقال: (هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) (رواه البخاري).
- إطالته -صلى الله عليه وسلم- الصلاة طولًا غير معهود مع أنه يأمر بالتخفيف: قال جابر -رضي الله عنه-: "فأطال القيام حتى جَعَلُوا يَخِرُّونَ" (رواه مسلم). وأكدت ذلك أسماء -رضي الله عنها- بقولها: "فأطال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القيام جدًّا حتى تَجَلاَّنِي الغَشْيُ، فأخذت قِرْبَةً من ماء إلى جَنْبِي فجعلت أَصُبُّ على رَأْسِي أو على وَجْهِي من الماء" (رواه البخاري ومسلم).
- أمره -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من أعمال البر (الذكر والاستغفار والصدقة والتعوذ من عذاب القبر، بل والعتق): قال -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) (رواه البخاري). عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: "لقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة في كسوف الشمس" (رواه البخاري).
- خطبته -صلى الله عليه وسلم- خطبة في بيان عظيم قدرة الله، والتحذير من المعاصي والذنوب: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) (رواه البخاري ومسلم).
الوقفة الثالثة: واجبنا نحو الآيات (الكسوف - الزلازل - العواصف - ثوران البحار - ...):
- أولًا: الاقتداء والاهتداء بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- (فما شُرِعَ له صلاة كالكسوف صَلَيْنَا، وما لم يُشْرَعْ له صلاة تَضَرَّعْنَا وجَأَرْنَا بالدعاء والرجاء والتوبة): قال -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).
- التوبة والرجوع عن المعاصي: جاء في "الجواب الكافي" لابن القيم -رحمه الله-: "وكتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى الأمصار: أما بعد، فإن هذا الرَّجْفَ شيء يعاتب الله -عز وجل- به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فلْيَتَصَدَّقْ به، فإن الله -عز وجل- قال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى: 14، 15)، وقولوا كما قال آدم -عليه السلام-: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف: 23)، وقولوا كما قال نوح -عليه السلام-: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (هود: 47)، وقولوا كما قال يونس -عليه السلام-: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 87).
فاللهم تُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، ولا تُؤَاخِذْنَا بما فعل السُّفَهَاءُ منا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من ذلك: تَعَامُل أكثر المسلمين مع الأمر بلا مبالاة، واستمرار مظاهر الحياة على طبيعتها، بل استمرار مظاهر العصيان والانحراف، والبعض الآخر قاموا يُقَلِّدُون الكفار في الغرب، من الدعوة لحفلات ترفيهية خاصة لرؤية الخسوف كظاهرة طبيعية.
(2) المقصود أنهم ينظرون إلى أن هذا ناتج عن حركة الشمس والقمر والأرض بطريقة معينة، دون النظر إلى أن هذا بتقدير الخالق -سبحانه-، ولحكمة يريدها.
(3) قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي: العذاب، (عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) أي: معترضًا كالسحاب قد أقبل على أوديتهم التي تَسِيلُ فتسقي نوابتهم ويشربون من آبارها وغدرانها. (قَالُوا) مستبشرين: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) أي: هذا السحاب سيمطرنا. قال -تعالى-: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي: هذا الذي جنيتم به على أنفسكم حيث قلتم: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (الأحقاف: 22)".