نصائح وضوابط إصلاحية (55)
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في المقال الماضي عن المعايشة الدعوية والتربوية، وفي هذا المقال نتكلم عن فوائد المعايشة؛ فإن للمعايشة فوائد كثيرة متى ما طُبِّقت بطريقة صحيحة.
ومن هذه الفوائد:
1- معرفة طبائع الشخصيات ومميزاتهم وقدراتهم: المعايشة تعين المسئول والقائد على معرفة طبائع الأشخاص؛ فالقرب والمعايشة تتيح له اكتشاف جوانب التميز وجوانب القوة، وتعينه على حسن توظيفهم في المهام الملائمة لهم، ولهذا شواهد من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن ذلك: ما جاء في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (رواه البخاري).
فلقد زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي سَبَّ ولعن حمارًا -رضي الله عنه-، مع أن حمارًا كان يشرب الخمر؛ إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أقرب الناس إليه بمعايشته له، وكان أعلم بأعمال حمار من غيره؛ لذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ)، وهذا يعني أن النبي عَلِم من معايشته لحمار -رضي الله عنه- محاسنه التي لم يعلمها البعيد عنه.
- وكذلك ما كان منه -صلى الله عليه وسلم- في معايشته ومخالطته لأصحابه واكتشافه لقدراتهم ومؤهلاتهم؛ ومِن ثَمَّ توجيه هذه الطاقات فيما يناسبها: كما في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ؛ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) (متفق عليه).
2- معرفة جوانب الضعف ومن ثَمَّ معالجتها: المعايشة تتيح للمسئول والقائد اكتشاف جوانب النقص في شخصية من يعايشه ونقاط ضعفه، وتعينه على علاج تلك النقاط بطريقة صحيحة، وتعينه على الارتقاء به وتطويره، وقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعايشته لأصحابه معرفة نقاط القوة لديهم فأحسن توظيفها -كما مَرَّ معنا-، ومعرفة نقاط الضعف فحذَّر ونصح، وعالج وعاون على تجاوزها، ولهذا شواهد من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن ذلك: ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَكُنْتُ غُلَامًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ". قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. (متفق عليه).
ومن ذلك أيضًا: قوله -صلى الله عيه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه-: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) (رواه مسلم).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.